صورة مجملة عن الدكتور " أحمد يوسف احمد "
الصورة الرابعة :
"..... هناك في حياة الكثير من الناس ، قرار ما ، أو حادث عارض ، أو موقف طارئ ، يكون له أكبر الأثر في القادم من الأيام ، وتشكيل مستقبله على نحو يتجاوز كل الحسابات ...أعتقد أن كتاب " الدور المصري في حرب اليمن بين أعوام ٦٢ / ١٩٦٧ " يمثل للدكتور " أحمد يوسف أحمد " هذا الحدث الهام الذي فتح له أبواب جديدة من العمل العلمي الأكاديمي ، والإنخراط أكثر في العمل العربي ، بمعناه العلمي والقومي ..... إذ بات الرجل واحدا من أهم الخبراء العرب في دراسة العلاقات العربية / العربية ، فبعد شهور من صدور الكتاب الذي يحمل بين دفتيه موضوع حرب اليمن أن ، شارك في أكثر من مؤتمر علمي داخل الوطن العربي وخارجه ، أتذكر منها ، وإن لم تخني الذاكرة ، العمل في مبادرة أكاديمية " مصرية / إيطالية " في مدينة " فلورنسا " حملت هدفا عريضا يتناول الشأن السياسي والاقتصادي المشترك بين العالم العربي وأوروبا ، كذلك أتذكر أيضاً مشاركته أستاذا زائرا في جامعة " ماتسوسيتش " الأمريكية والتي تضم في جنباتها أكبر المراكز البحثية في العالم ، وذلك خلال السنوات الأولى من عقد الثمانينيات من القرن الماضي ....
بعدها حدث للدكتور " أحمد " حدثين بالغي الأهمية ، أحدهما السفر إلى اليمن الشقيق ، أستاذا في جامعة صنعاء العريقة ، التي كانت أحد أهم نتائج الثورة اليمنية ، ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام ١٩٦٢ ، يومها دهش الكثير من زملاء وأصدقاء " أحمد يوسف " بالسفر إلى اليمن للعمل في جامعتها ، ولم يقبل عروضا كانت متاحة له بكل سهولة إلى دول الخليج ، وما أكثرها في تلك الفترة ، وما أكثر ما تدره من أموال للعاملين فيها !!!!
كان قرار الدكتور " أحمد " لمن يعرفونه عن قرب ، لم يكن قرارا مفاجئا ، فالرجل لم تشغله يوما أموالا ولا سلطة ولا منصب ولا جاه ، عاش بسيطا في الحياة بقدر عظمته في اختيار المبدأ ومعايشة الموقف ..... كان باختصار " صاحب رسالة " .....
كنت اراسله وقتها ، وأكتب اليه والى السيدة زوجته ، للاطمئنان على سير الحياة وظروف العمل وأحوال الأسرة " الدكتورة عزة والأبناء / هبة الله ومحمد " وكانا حينها في بداية سنوات العمر ، فلم أسمع منه ، سوى كلمة جامعة شاملة هي " الحمد لله " .... " نحن في منتهى السعادة ... الشعب اليمني ، شعب بالغ الذكاء ، كثير الثناء والوفاء لدور مصر في حماية ثورته ، محب لعبد الناصر . في شماله وجنوبه رغم اختلاف الطباع والثقافات والانتماء ، فعبد الناصر عندهم هو القاسم المشترك الذي لا خلاف على دوره ومقامه في حياة اليمن ونهضة شعبه ... "
وعندما أخبرهما بحجم التطور الذي كنت ألمسه وأعيشه في إحدى دول الخليج آنذاك / دولة الإمارات العربية / مقارنة بتلك الحياة الخشنة التي كان يحياها في الجمهورية اليمنية ، كان جوابه المشترك مع الدكتورة عزة وهبي ... " صلاح ... تعرف أنني رجل أنتمي لجيل يرى في بلدان العرب ، كل البلدان ، وطنا له .... قطعة صغيرة خضراء من الأرض نراها كل يوم في تلك المنطقة التي نعيش فيها كفيلة بإدخال السعادة والفرحة إلى نفوسنا والبهجة والراحة إلى الأولاد !!!!....
يا الله ..... أيها الصديق الكريم الزاهد العفيف ، من رؤية واختيار لا يجتمعان إلا في النادر من الرجال ، أقرب إلى اصحاب الرسالات الكبرى ، سلوك يذكرني
مع الفارق والعصر والزمان ، الى اولئك الذين شدوا الرحال الى دول وأوطان وأصقاع قريبة وبعيدة ، امتدت بعد ذلك الى بلدان شملت أقصى أطراف قارتي آسيا وأفريقيا ، ينشرون الدعوة والسلوك الحسن القويم ، سلوك أهل الفتح الاسلامي العظيم ...
بعد ذلك بسنوات جمعتني طبيعة العمل مع عدد من الزملاء العاملين في مجال الصحافة والإعلام في اليمن الشقيق ، وفوجئت أن عددا كبيرا منهم ، كان طالبا عند الدكتور " أحمد " حيث كان من المؤسسين الأوائل لقسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء وخلال فترة رئاسة الدكتور " عبدالعزيز المقالح " المفكر والأديب العربي الكبير للجامعة .... اتفق الجمع على إسباغ ما يستحقه هذا الرجل النبيل من تقدير وحب ، حتى أن الكثير منهم اتجه إلى القاهرة عند عودة الدكتور " أحمد " إلى مصر في مطلع عقد الثمانينيات ليستكمل دراساته العليا في العلوم السياسية ، طالبا جديدا مع الدكتور " أحمد " سواء في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، التي يشغل بها استاذا ، أو معهد البحوث والدراسات العربية ، أحد أهم المراكز البحثية المرموقة التابعة للجامعة العربية ، بوصفه مديرا له منذ سنوات التسعينيات من القرن الماضي ....
ذلك هو الحدث الأول بالغ الأهمية في حياة الدكتور " أحمد " ... لكن ثمة حدث آخر أراه من وجهة نظري الحدث الأهم في حياة هذا الباحث والمفكر العروبي النادر المثال ، علما وخلقا وإيمانا بعظمة أمته العربية الممتدة من الماء إلى الماء ....)
صلاح زكي أحمد ... القاهرة ... فجر الثاني من نوفمبر من عام ٢٠١٣
غداً نستكمل بإذن الله صورة جديدة من عالم الدكتور " أحمد يوسف أحمد "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق