حديث الروح وخلجات النفس .... الجزء الخامس :
( للقاهرة القديمة ، أو ما يعرف عند أولاد البلد بمصر القديمة سحرها الانساني والنفسي الذي تزداد تاثيراته عند كل من تابع تاريخ تلك المدينة العريقة طوال عصور متعاقبة ، بدأت عمليا مع دخول الاسلام مع جيش "عمرو بن العاص " رضي الله عنه ، ولم تتوقف تقريبا الا عند العقد الخامس من القرن الماضي ، حيث ضاقت المدينة القديمة بسكانها ، وبدأ الكثير من الناس يبحثون عن ضواحي جديدة لاعمارها والسكن فيها ، وكانت ضاحيتي " حلوان ومصر الجديدة " أهم تلك المناطق التي قصدها عشرات الآلآف من الوافدين الجدد ....
غير أن المنطقة الكائتة في قلب مصر القديمة ، وتحديدا تلك التي تحظى باحتضان الجامع الأزهر ومسجد "الامام الحسين"، رضي الله عنه وأرضاه ، هي درة التاج وبيت القصيد على نحو ما يقول أهل الصوفية في مصر أو غيرها عند اشارتهم الى المعنى الأهم أو ذروة العطاء الطيب الزاهد الباعث لكل عطاء ...
تلك المعاني تجسدت عندي دفعة واحدة ، فقد تصادف خروجي أنا وأبنائي من الجامع الأزهر متوجهين الى مسجد حفيد رسول الله ، لحظة رفع أذان العشاء ، وبدا المشهد جليلا ومؤثرا لكل من مسٌ قلبه أي درجة من الايمان والتسليم ، فقد بدأ الأذان من حيث كنا ...ب " الله أكبر الله أكبر " وبعدها بثوان قليلة يأتي الرد من مسجد الامام الحسين ... يردد نفس الكلمات " الله اكبر ، الله أكبر " ثم نسمع "لا اله الا الله " تصدح من الأزهر ، " فيأتي الاستكمال والكمال من حيث يسجى رأس " الامام الشهيد " .... وهكذا لا تقاطع ولا تضارب ولا ضجيج ولا فوضى ، بل حالة من الوجد الصوفي يصل عند البعض الى ما يشبه الحوار بين الأرض والسماء ، ولاتعرف أيهما يمثل الأرض وأيهما يجسد السماء ، وعليك أنت وحدك أن تحدد أي المسجدين الجليلين يمثل ما تراه ، غير أنك تتلبسك بالقطع حالة انسانية نادرة لا تلمسها ودون أي قدر من المبالغة ، قريبة من تلك التي تعيشها عندما تعيش في أجواء الحرم المكي ومسجد رسول الله ....
ولذلك لا تدهش .... بأن تلك المنطقة تترك روحها في قلب كل من أحبها ، ويصل به الوجد حد العشق ، نسمع عن تلك الحالة التي لازمت العارف ب " الله" الشيخ "محمد متولي الشعراوي " والعبد الزاهد " مصطفى محمود " والنبيل الجميل " نجيب محفوظ " والصوفي العابد " عبد الحليم محمود " والنغم الخالد " محمد عبد الوهاب" والأديب المدقق" جمال الغيطاني "..... وغيرهم كثير كثير .... أسماء متعددة وعوالم من الفن والابداع والاخلاص والتبتل والتنسك والزهد تطول بها القائمة ويزدحم بها كل محب ، فكل هؤلاء من نعرف منهم ومن لا نعرف تلبسته تلك الحالة من الفيض الالهي والفيض النوراني ، ومن لا يستطع أن يقيم مقام الجوار بالمكان ، فقد شملته حالة الحب نفسها حتى لو كان بعيدا ، وكلنا نتذكر ذلك المشهد الخالد الذي كثفه الرائع" نجيب محفوظ " في ثلاثيته : " بين القصرين وقصر الشوق والسكرية " ، والتي ضمت بطل العمل الروائي " السيد احمد عبد الجواد " وزوجته " أمينة " التي كسرت كل القيود والحواجز الرهيبة التي حبسها فيها "السيد أحمد " عندما دعاها " الحسين " فما كان عليها أن تلبي النداء ، غير عابئة بعواقب الامور ؟؟؟؟!!!!
في هذا المكان البهيج وفي تلك البقعة الطاهرة التي تضم الجامع الأزهر ويقابله وعلى بعد عشرات الأمتار المسجد الحسيني ، وصلنا الى مرقد حفيد رسول الله ، قاصدين ساحة المسجد أولا حيث الصلاة ، مرجئين زيارة المقام بعد أداء الفريضة ، غير أننا فوجئنا بما لا نتوقعه ، فقد تجمع وتحلق عدد كبير من المصلين العابدين حول العالم الجليل ، المتواضع الزاهد ، الشيخ "محمد الغزالي".... فقد دهشت من تلك الترتيبات التي أكرمنا بها الله !!!!... كل هذا الكرم في يوم واحد ،... زيارة ضريح العبد المؤمن " جمال عبد الناصر" ثم الاستمتاع بالصلاة في رحاب الجامع الأزهر ، ثم زيارة مقام سيد شهداء شباب الجنة ، وبعد ذلك نستهل المقام العابر والزائر لأمثالنا بلقاء سيد العلماء الذي نحسبه عند الله وكل من يماثله مقامات علم وهداية ، .... أليسوا هم الذين تكرم رسولنا الكريم بوصفهم " أنهم ورثة الأنبياء " .... جلسنا بالقرب من الشيخ الجليل ، الذي القى بنظرة كريمة الينا ، فلم يفتتح بعده مجلسه الذي تحفه باذن الملائكة ...
كان قد صدر في نفس الفترة كتابين للشيخ " محمد الغزالي " الذي اقتربت مؤلفاته الى نحو ستين كتابا ... كتابين ، أحسبهما أهم ماكتب شيخنا الجليل ، أولهما كتاب " نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم " وكتابه " السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث " فالأول يعالج القضايا المحورية في كتاب الله ، اذ أتى بفتح من الله على كل سور الكتاب العظيم عارضا لكل أية وسورة بعظيم التفسير المكثف والذي لايخلو في كل حرف من بساطة في المعنى ووضوح في الفهم والدلالة والاشارة ، ولآهمية الكتاب ، وبحس العالم المدقق ، فقد سبق كتابه هذا كتابا مميزا وتمهيديا ، حمل عنوانا لا فتا هو " المحاور الخمسة للقرآن الكريم " ... أما الكتاب الثاني " السنة النبوية ...." فهو الكتاب العملي والتطبيقي لكتابه الأول ، فقد أثار الرجل وبجرأة لا يملكها سواه من " أولي العزم " عشرات القضايا العملية التي يعيشها المسلم وتعاني منها أمة الاسلام ، كتاب قابله العارفين أصحاب فكر التجديد بكل ترحاب وتكريم ، فيما حشد له أصحاب الرؤية القاصرة والفهم المحدود بوافر من سوء الظن ورخيص الكلام !!!! ... كتاب أظنه واحد من أهم ما كتب في القرن العشرين على صعيد الدعوة الاسلامية بعد اجتهادات الامام العظيم " محمد عبده " استاذ الجميع ومؤسس مدرسة التفكير والتجديد بعد الأئمة التسعة الكبار ، ابي حنيفة والشافعي ومالك وغيرهم ...
بدأ الشيخ الجليل الحديث ، ونحن بجانبه
نسعد بكرم القرب ومحبة الجوار ، وبعد أن افتتح مجلسة بالصلاة والسلام على خير الأنام والدعاء بالرحمة والمغفرة وكريم المنزلة لصاحب المقام ، مٌهد لمقاله وعظيم كلامه ، بحديث المصطفى عليه أفضل الصلوات والسلام ، حديث أحسبه لا نظير له في عالم الفكر ودنيا الفداء وجميل السلوك ، وأن تكون به أذا ما تمثلته وتعايشت معه .. " باذن الله مع أهل الجنة شاكر ومقيم "
صلاح زكي أحمد .... 26=2= 2013
( للقاهرة القديمة ، أو ما يعرف عند أولاد البلد بمصر القديمة سحرها الانساني والنفسي الذي تزداد تاثيراته عند كل من تابع تاريخ تلك المدينة العريقة طوال عصور متعاقبة ، بدأت عمليا مع دخول الاسلام مع جيش "عمرو بن العاص " رضي الله عنه ، ولم تتوقف تقريبا الا عند العقد الخامس من القرن الماضي ، حيث ضاقت المدينة القديمة بسكانها ، وبدأ الكثير من الناس يبحثون عن ضواحي جديدة لاعمارها والسكن فيها ، وكانت ضاحيتي " حلوان ومصر الجديدة " أهم تلك المناطق التي قصدها عشرات الآلآف من الوافدين الجدد ....
غير أن المنطقة الكائتة في قلب مصر القديمة ، وتحديدا تلك التي تحظى باحتضان الجامع الأزهر ومسجد "الامام الحسين"، رضي الله عنه وأرضاه ، هي درة التاج وبيت القصيد على نحو ما يقول أهل الصوفية في مصر أو غيرها عند اشارتهم الى المعنى الأهم أو ذروة العطاء الطيب الزاهد الباعث لكل عطاء ...
تلك المعاني تجسدت عندي دفعة واحدة ، فقد تصادف خروجي أنا وأبنائي من الجامع الأزهر متوجهين الى مسجد حفيد رسول الله ، لحظة رفع أذان العشاء ، وبدا المشهد جليلا ومؤثرا لكل من مسٌ قلبه أي درجة من الايمان والتسليم ، فقد بدأ الأذان من حيث كنا ...ب " الله أكبر الله أكبر " وبعدها بثوان قليلة يأتي الرد من مسجد الامام الحسين ... يردد نفس الكلمات " الله اكبر ، الله أكبر " ثم نسمع "لا اله الا الله " تصدح من الأزهر ، " فيأتي الاستكمال والكمال من حيث يسجى رأس " الامام الشهيد " .... وهكذا لا تقاطع ولا تضارب ولا ضجيج ولا فوضى ، بل حالة من الوجد الصوفي يصل عند البعض الى ما يشبه الحوار بين الأرض والسماء ، ولاتعرف أيهما يمثل الأرض وأيهما يجسد السماء ، وعليك أنت وحدك أن تحدد أي المسجدين الجليلين يمثل ما تراه ، غير أنك تتلبسك بالقطع حالة انسانية نادرة لا تلمسها ودون أي قدر من المبالغة ، قريبة من تلك التي تعيشها عندما تعيش في أجواء الحرم المكي ومسجد رسول الله ....
ولذلك لا تدهش .... بأن تلك المنطقة تترك روحها في قلب كل من أحبها ، ويصل به الوجد حد العشق ، نسمع عن تلك الحالة التي لازمت العارف ب " الله" الشيخ "محمد متولي الشعراوي " والعبد الزاهد " مصطفى محمود " والنبيل الجميل " نجيب محفوظ " والصوفي العابد " عبد الحليم محمود " والنغم الخالد " محمد عبد الوهاب" والأديب المدقق" جمال الغيطاني "..... وغيرهم كثير كثير .... أسماء متعددة وعوالم من الفن والابداع والاخلاص والتبتل والتنسك والزهد تطول بها القائمة ويزدحم بها كل محب ، فكل هؤلاء من نعرف منهم ومن لا نعرف تلبسته تلك الحالة من الفيض الالهي والفيض النوراني ، ومن لا يستطع أن يقيم مقام الجوار بالمكان ، فقد شملته حالة الحب نفسها حتى لو كان بعيدا ، وكلنا نتذكر ذلك المشهد الخالد الذي كثفه الرائع" نجيب محفوظ " في ثلاثيته : " بين القصرين وقصر الشوق والسكرية " ، والتي ضمت بطل العمل الروائي " السيد احمد عبد الجواد " وزوجته " أمينة " التي كسرت كل القيود والحواجز الرهيبة التي حبسها فيها "السيد أحمد " عندما دعاها " الحسين " فما كان عليها أن تلبي النداء ، غير عابئة بعواقب الامور ؟؟؟؟!!!!
في هذا المكان البهيج وفي تلك البقعة الطاهرة التي تضم الجامع الأزهر ويقابله وعلى بعد عشرات الأمتار المسجد الحسيني ، وصلنا الى مرقد حفيد رسول الله ، قاصدين ساحة المسجد أولا حيث الصلاة ، مرجئين زيارة المقام بعد أداء الفريضة ، غير أننا فوجئنا بما لا نتوقعه ، فقد تجمع وتحلق عدد كبير من المصلين العابدين حول العالم الجليل ، المتواضع الزاهد ، الشيخ "محمد الغزالي".... فقد دهشت من تلك الترتيبات التي أكرمنا بها الله !!!!... كل هذا الكرم في يوم واحد ،... زيارة ضريح العبد المؤمن " جمال عبد الناصر" ثم الاستمتاع بالصلاة في رحاب الجامع الأزهر ، ثم زيارة مقام سيد شهداء شباب الجنة ، وبعد ذلك نستهل المقام العابر والزائر لأمثالنا بلقاء سيد العلماء الذي نحسبه عند الله وكل من يماثله مقامات علم وهداية ، .... أليسوا هم الذين تكرم رسولنا الكريم بوصفهم " أنهم ورثة الأنبياء " .... جلسنا بالقرب من الشيخ الجليل ، الذي القى بنظرة كريمة الينا ، فلم يفتتح بعده مجلسه الذي تحفه باذن الملائكة ...
كان قد صدر في نفس الفترة كتابين للشيخ " محمد الغزالي " الذي اقتربت مؤلفاته الى نحو ستين كتابا ... كتابين ، أحسبهما أهم ماكتب شيخنا الجليل ، أولهما كتاب " نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم " وكتابه " السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث " فالأول يعالج القضايا المحورية في كتاب الله ، اذ أتى بفتح من الله على كل سور الكتاب العظيم عارضا لكل أية وسورة بعظيم التفسير المكثف والذي لايخلو في كل حرف من بساطة في المعنى ووضوح في الفهم والدلالة والاشارة ، ولآهمية الكتاب ، وبحس العالم المدقق ، فقد سبق كتابه هذا كتابا مميزا وتمهيديا ، حمل عنوانا لا فتا هو " المحاور الخمسة للقرآن الكريم " ... أما الكتاب الثاني " السنة النبوية ...." فهو الكتاب العملي والتطبيقي لكتابه الأول ، فقد أثار الرجل وبجرأة لا يملكها سواه من " أولي العزم " عشرات القضايا العملية التي يعيشها المسلم وتعاني منها أمة الاسلام ، كتاب قابله العارفين أصحاب فكر التجديد بكل ترحاب وتكريم ، فيما حشد له أصحاب الرؤية القاصرة والفهم المحدود بوافر من سوء الظن ورخيص الكلام !!!! ... كتاب أظنه واحد من أهم ما كتب في القرن العشرين على صعيد الدعوة الاسلامية بعد اجتهادات الامام العظيم " محمد عبده " استاذ الجميع ومؤسس مدرسة التفكير والتجديد بعد الأئمة التسعة الكبار ، ابي حنيفة والشافعي ومالك وغيرهم ...
بدأ الشيخ الجليل الحديث ، ونحن بجانبه
نسعد بكرم القرب ومحبة الجوار ، وبعد أن افتتح مجلسة بالصلاة والسلام على خير الأنام والدعاء بالرحمة والمغفرة وكريم المنزلة لصاحب المقام ، مٌهد لمقاله وعظيم كلامه ، بحديث المصطفى عليه أفضل الصلوات والسلام ، حديث أحسبه لا نظير له في عالم الفكر ودنيا الفداء وجميل السلوك ، وأن تكون به أذا ما تمثلته وتعايشت معه .. " باذن الله مع أهل الجنة شاكر ومقيم "
صلاح زكي أحمد .... 26=2= 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق