الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

حديث الروح وخلجات النفس ...... الجزء الثامن :

حديث الروح وخلجات النفس ...... الجزء الثامن :

في حضرة العلماء من ذلك الطراز الذي ينتمي اليه الشيخ " محمد الغزالي " وهم بحمد الله كثر، يبدو الوقت مباركا قياسا لما يقال فيه من صحيح العلم وغزير المعرفة ، فالعلم الذي أنعم الله به على هؤلاء ، يبدو مباركا لأكثر من سبب ، ألأول ، أنه لا يقصد منه غير وجه الله ، حبا في ذاته العلية لا بحثاعن مغنم أو تأكيدا لجاه ، أو ارساء لسلطان فهؤلا عندهم كل مظاهر الدنيا " عرض زائل " ، أما السبب الثاني ، أن الله منحهم فضل القبول من الخلق ، سواء من استمعوا اليهم مباشرة أو قرأوا لهم ما خطته أيديهم الكريمة وعلمهم الغزير ، وياتي السبب الثالث ، ويتعلق بتلك الحفنة الطيبة من عموم الناس التي أحبت العلم وسعت الى المزيد من المعرفة لوجه الله ومحبة لناقلي الخير، وهؤلاء يقاس عندهم قيمة الوقت بقدرما يمن الله عليهم باشراقات الهداية ويجدون في العلم السبيل ...

المهم ترك شيخنا الجليل سامعيه على أبواب سؤال ، طرحه على مسامعهم ، ويقول نصا " أحبائي ... هل تعرفون من هم في منزلة تلامس منزلة الأنبياء ولكن ليسوا بأنبياء ؟؟؟ .... على عادته لم ينتظر الشيخ جوابا من حوارييه وخلصاءه من المحبين ، الآ انه بادرهم بما تصور أنه يعرفوه ، وبالقطع ومن مستوى الحديث الذي بدأه الشيح يدرك انهم يعرفوه ، ذلك الحديث الشريف الذي يقول فيه المصطفى ( من عادى لي وليا ، فقد اذنته بالحرب ، وما تقرب الي عبدي بشيئ أحب ءالي مما افترضت عليه ، وما زال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه ، فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وان سألني أعطيته ، ولئن استعاذني لا عيذنه ) صدق رسول الله .... 

ولا يضاح ما ذكره الشيخ الجليل من هذا الحديث هي التذكرة ، بان ثمة نوع من البشر هو ما أسماهم " خلاصة الخلاصة ، وخاصة الخاصة " الذين أحبهم الله فأعطاهم ما لم يعطى لأحد من العالمين ، فهم أولياء الله الصالحين الذي أذنٌ الرحمن بحرب من يعاديهم ويناصبهم الغدر والخيانة وغريب السلوك ، بل أن تلك النعمة أعطيت لبعض ممن أصطفاهم الله ووضع على عاتقهم عبء الرسالة ومشقة النبوة ، ومنهم رسولنا الكريم عليه وعلى أهله أفضل وأتم الصلوات ... وهنا توقف الشيخ ليعطي الدليل والبرهان على ما ساقه من استخلاص ، فقد ذكرٌ الجمع بتلك الكلمات الشريفات التى قالها سيد الخلق في أعقاب تلك الخطبة التي القاها خلال حجة الوداع وهو على صعيد عرفة الطاهر ....( من كنت وليه ف " علي " وليه ، ومن يعاديه عاداني ) والمقصود هنا الامام " علي بن أبي طالب " كرم الله وجهه .... والولاية في ضوء ذلك تنصرف الى أكثر من معنى ، هي المقدرة على امتلاك كرمات ونعم من العلي القادر الحكيم لم يعطيها لسائر البشروعموم الناس ، وأيضا بمعني الحكم والرئاسة والزعامة والخلافة ، ومن الممكن أن تكون معا ، أي الجمع مابين الاثنتين ، أي النبوة والبركات ،على نحو ما استجاب الله عز وجلٌ للنبي " داود وابنه سليمان " الذي منحهم من خشوع النبوة وعظيم الملك ما لم يعطى لأحد من عباده المؤمنين ( ولقد آتينا داود وسليمان علما ، وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) صدق الله العظيم .... 
توقف الشيخ الجليل عن الكلام لبضع وقت لم يطول ، قائلا وبلهجة باسمة وكلمات حانية : تلك الآية من سورة النمل ، ولنا باذن الله عندها وقفة في نهاية حديثي ، أقصد بعض مواضع من تلك السورة الكريمة ، لكنني أعود الى موضوعي ، وهو ما يخص الولاية التي أقصد الحديث عنها ، وأعني بها وضوحا ، تلك النعم والقدرة والفعل التي يختص بها الله بعض من عباده ، ولي على هذا الصعيد قليل من الأمثلة سوف أختار منهم أثنين ، الأول : هو مايتعلق بذلك العبد الصالح الذي جاء القرأن الكريم على سيرته مع سيدنا موسى عليه السلام في سورة الكهف ، والثاني ، ذلك العبد الصالح الذي عنده علم من الكتاب ، وحكايته مع النبي سليمان عليه السلام في سورة النمل .... 

استعد الحضور لسماع عظيم الكلام وبغية الساعي الى العلم والاستزادة منه ،....... ف " سورة الكهف " لها منزلة وأي منزلة عند عموم الناس وخاصتهم ، فهي الملازمة لهم عند صلاة كل جمعة ، وبركاتها تزيد عن الحصر وتفيض ،وتجمع من الصور الانسانية ما يثبت في الذاكرة ولا يغيب ، في مفتتحها قصة أهل الكهف من هؤلا الفتية الذين فروا بدينهم من وجه الحاكم الكافر الظالم ، وقصة الجنتين التي يتراوح مصيرها بين أخ مؤمن وشقيقه الجاحد بنعم الله ، ثم تأتي قصة العبد الصالح مع موسى عليه الصلاة والسلام ،ثم تختتم بقصة ذي القرنين ، أما سورة النمل ، فقد جاء في ثناياها وبين آياتها الكريمات ، أول آية في القرآن الكريم وهي " بسم الله الرحمن الرحيم " التي لم تذكر في مطلع سورة التوبة ، كسائر سور القرآن الكريم البالغة مائة وأربعة عشر، حيث يقول المولى عز وجل ( قالت يأيها الملأ ءاني ألقي اليٌ كتاب كريم ، ءانه من سليمان وءانه بسم الله الرحمن الرحيم ) صدق الله العظيم ، والمقصود في لفظ الاشارة " قالت يأيها الملأ هي " بلقيس " ملكة سبأ في عصر سليمان عليه السلام ، وبذلك يكتمل عدد تلك الآية " بسم الله الرحمن الرحيم " الى مائة وأربعة عشر لكي تماثل عدد سور الكتاب الحكيم ، وبجانب ذلك ضمت بفضل من الله ، قصص للدرس والاعتبار، فهي تبدأ ب " موسى " وقومه ثم " داود وسليمان " وتتبعها قصة نبي الله صالح ،سلام الله عليه ومعجزته ثم تعرج على قصة نبي الله " لوط " .... 

توقف سيد العلماء لكي يرتشف بضع قطرات من الماء ، حتى أنني أشفقت عليه من مواصلة الحديث على هذا النحو دون توقف ، غير أنه بنعمة ربانية بدا في غاية النشاط والوضوح الذهني والمعرفي ، كان أشبه بالمقاتل في ميدان الحق ، وهو بالمناسبة له كتاب يحمل اسما قريبا من هذا هو " قذائف الحق " وأتبعه بشقيق بث فيه متاعبه في مجال الدعوة اختار له اسما هو " هموم داعية " ... المهم واصل الشيخ تجليات الاشراق ، وحاول أن يقترب من النماذج التي وعدنا بالحديث عنها من أولياء الله الصالحين ، الا أنه عاد الى سورة النمل ، ليخبرنا أن الله بعد أن أطلعنا على مسيرة وسيرة هؤلا الأولين من الرسل مع أقوامهم الغابرين ليقارن بينهم وبين كفار مكة ومشركيها والى أي مصير سوف ينقلبون ، عاد وقال ، " ان رحمة الله جعلت ختام تلك السورة الكريمة هي الطواف في عظيم صنعة الخالق التي تغور في حكمة الخلق والكون وتصل الى حدود النفس البشرية وما تعتورها من تقلبات وصور ، راجعا وقت الساعة وعلم الغيب له وحده ، علا شأنه وعز مقامه " .... الا أن الشيخ " محمد الغزالي " وبانتقاء مدروس أراد أن يختم كلامه من سورة النمل بتلك الآية المعجزة ، وكأنه أراد أيضا أن يمهد بما فتحه الله عليه وعلينا ، قال " بسم الله الرحمن الرحيم .... قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى " صدق الله العظيم ....)...... سكت الشيخ الجليل ، وبدا الجمع في الانتظار ، والاستزادة من عظيم القول وجميل الدرس والحكمة المهداة ....

صلاح زكي أحمد ..... 4=3= 2013 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق