الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

حديث الروح وخلجات النفس ...... الجزء الحادي عشر :

حديث الروح وخلجات النفس ...... الجزء الحادي عشر : 

( بعد أن أكرمنا الله بصحبة سيد العلماء طوال جلسة علم طالت باكثر مما كان مقدرا لها من جانبه ، ولم تكن على هذا الحال من جانبنا ، الا أن كلماته الأخيرة مفسرا بها طول الحديث وقعت على مسامعي ، وقعاَ خاصاَ وتفسيرا قد يوحي بشيئ ما من الخوف على الشيخ " محمد الغزالي " وقلقا مما قال ، فبعد أن طلب منا التوقف لبعض راحة حتى يواصل رحلته مع أولياء الله الصالحين ، أورد لنا تفسيرات ثلاث لطول الحديث ، منها أنه أفاض محبة فينا ، أو أن بركة الجوار قرب مقام سيد شهداء شباب أهل الجنة ، حفيد سيد الخلق سببا فيما قال وأطال ، وأخرها ما جعله خاطرا بقرب الرحيل الى الرفيق الأعلى ، بحسبان حديثه هذا رسالة الوداع قبل ترك دنيانا الفانية ،واللحاق بما يحتسبهم باذن الله أولياء الله الصالحين ....

عاد الشيخ الى مجلسه بعد قليل من الراحة شملت صمتا وديعا لا يعتريه قلق أو بعض من ارهاق سوى شفاة تلهج بالثناء والكثير من الحمد لرب العباد ، فقد كنت ومن حسن المنزلة وجميل المقام بالقرب منه وأسمع بعض مما يقول .... قال مستهلا الحديث بكلمات اعتاد عليها " أحبائي .... لقد توقفنا عندما غٌشى النوم نبي الله موسى ، وأخذته حالة من النوم العميق التي يفقد الانسان الادراك بما يحيط به ، فينطلق العقل الى عالم لا نعرف له حدودا ، وآنذاك أكرمه الله بتلك الرؤية التي أراد بها المولى عزوجٌل أن يعيد عبده المؤمن الى جادة الفهم وقوة الايمان ونصرة الحق التي أسبغها الله على عبده الُمهتدى ، أذ رأى ... انه في صحراء شاسعة يتحسس فيها صالح الطريق ، فقد تداخلت السبل فى رحلته بحثا عن الحقيقة ، فرغم ادراكه انه نبي مرسل لا يأتيه الوحي الا صدقا ، فان ما يحمله من جانب انساني يضعه أحيان ككل البشر في مواضع للتساؤل أو لمسة من اعتماد على الذات وما يعتريها من بعض خطأ .... رأى موسى عليه السلام ، أنه مدفوع بالسعي لبلوغ غاية ولقاء من هو أكثر منه علما ليعرف مقدار ما يمتلكه هو من قليل المعرفة قياسا بعبدِ صالح يحمل من العلم والرحمة مالم يحمل هو ، وهو النبي المرسل بالهداية والمغفرة ، كان الوعد أنه سيلقىٌ عبده المنتظر عند موضع يعرف بمجمع البحرين ، أو يمضى أجيالا وأجيالا حتي يبلغ مبتغاه .... بدا الأمر عند موسى عليه السلام قرارا لا يرد ، فلا مفر ، وبدا فتاه " يوشع بن نون " رفيقا له في رحلة البحث عن الحقيقة ،دون أن يكون عالما بخفاياها ، فقد وصلا حيث مجمع البحرين ، وربما يكون هذا أحد المواضع القريبة من التقاء مايعرف الآن بخليج السوبس وخليج العقبة جنوب شبه جزيرة سيناء وبالقرب من مدينة شرم الشيخ ..... لم يحدد الشيخ هذا الموضع من رحلة موسى عليه السلام ، ولكن عشقي لرحلة هؤلاء الرسل الكرام أخذتني بعيدا ولو للحظات عن حديث سيد العلماء ، حتى أن الشيخ وبكرم منه أعاد ما قاله على مسامعي ، حتى أعود الى طريقه الهادي الرشيد ، فهو العليم بما غاب عن ذهن الكثير من أمثالنا .... قال لنا مجددا " أيها الأحباء الأعزاء ، رأي النبي موسى في رؤياه ، أنه في موضع من رحلته المباركة سوف يغادر مجمع البحرين هذا ، وبعد أميال من المسير أدركه الجوع ولمسه التعب ، اذ وجٌه الحديث الى فتاه ، قائلا له ( ءاتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) بنص ماجاء في سورة الكهف ، فردٌ " يوشع بن نون " على سيده نبي الله ( ... أرأيت ءاذ أوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيهُ ءالا الشيطان أن أذكرهُ واتخذ سبيله في البحر عجبا ٌ ) .....

نبي الله لايزال في رؤياه لا يغيب عنها حولاٌ ، وبدا منتقلا الى الواقع الذي أخبره الله سلفا في تلك الرحلة العقلية الى عالم الغيب ، فبدا متكئأَ على تلميذه وصفيه وفتاه ، اذ أخبره " يوشع بن نون " بأن الحوت قفز الى البحر واتخذ سبيله في البحر مما يثير العجب والدهشة ، فكيف والحال هذه على سمكة تقفز الى الماء ومعدة للأكل أن يكون ذلك حالها ..... تلك حالة أخبرها الله لنبيه المهتدى وهو في عالم الرؤيا وسكون الليل وعميق النوم ، فعندما سمع " موسى " هذا القول من فتاه وضع يداه على كتفه ورد على الفورتغشاه الفرحة قائلا ( ذلك ما كُنا نبغِ فارتدا على ءاثارهما قصصا ) .... وقال الشيخ : كما ترون يأحبائي أن الحرص على بلوغ الهدف والرسو بسفينته على مرسى الحقيقة ، أن أعلن موسى أنه سيعود الى حيث كانا عند الصخرة القريبة من مجمع البحرين ، ويقتفي أثار قدميهما خطوة بخطوة وشبرا بشبر ليعودا الى حيث كانا ، فكيف يحيد عن خطوات حددها له الله ، محبة ورحمة ، فلم يتركه يتخبط في التيه ويتنكب به الطريق ، فهو الباحث عن هداية العلم ورحمة المعرفة .......
عادا ، موسى وفتاه الى حيث كانا ، وبدا المشهد من بعيد مثيرا للدهشة ، فلم يخبر نبي الله " يوشع بن نون " حقيقة هذه العودة بحثا عن " حوت " قفز الى البحر ، ما جدوى هذه العودة وما قيمة تلك السمكة ، مظاهر تثير الدهشة والتساؤل ؟؟؟؟ لكن القرأن الكريم لم يخبرنا خلال تلك الرحلة أن الفتى سأل نبيه وقائده عن أوضاع وأحداث تثير العجب !!!! ربما سأل " يوشع بن نون " ولم يبادر موسى النبي بالايجاب على غريب الحال تفسيرا وايضاحا لما طرحه تلميذه المختار ، وربما سأل هذا الصفي وأجابه نبي الله بغير الحقيقة ؟؟؟ تساؤلات عدة وملاحظات شتى لكن ظني أنا المستمع للشيخ الجليل ، أن ما لم يقله سيد العلماء ، حاولت أنا المبتدأ في طريق المعرفة أن أضع لهذه الحالة تفسيرا ، لا يخرج عن صحيح التربية عند أهل السماء الذين اصطفاهم الله ليكونوا رسلا للهداية ، فنبي الله عندما لا يخبر أحدا من صحابته ، جلهم أو واحد منهم ، لا ينبغي أن يبادروا بالسؤال اذا بدا الأمر خاصا ، وليس فيما يمس العقيدة أوالشريعة أو مسائل العلم ، فالحدود بين هذه وتلك لا تغيب عن ذوي الألباب من صحابة الأنبياء !!! 

المهم بدا المشهد استكمالا لما يثير الفضول عند الفتى ويرسى السكينة في قلب النبي المهتدى ، فقد وجدا في غبشة اليل القادم وقبل ساعات من ارسال ستائره ودجاه ، شبحا من بعيد تتشكل ملامحه كلما اقتربا من موضع الصخرة التي تركاها منذ ساعات وعادا اليها برؤيتين مختلفتين أشد الاختلاف ، ف " نبي الله " يعود ليلتقي بالعبد الصالح الذي أرشده الله في منامه أنه هذا هو صاحب العلم الذي لا تعرفه ولا شأن لك به ؟؟؟ أما الفتي الرشيد والعالم من العلم القليل ، فلم يدور في خلده سوى الجوع والطعام ورد النفس عن شكواها بألم الحاجة الى اسكات معدة خاوية ..... موقفان مختلفان وغايتان متباعدتان ، لكنهما اتفقا في رؤية رجل وحيد في صحراء قاحلة وقاتلة ، وحتى هذه اختلفا عليها بغير اعلان عن فحوى الاختلاف ، ف " موسى " يعرف أن هذا الرجل هو صاحب العلم ، فيما يراه صفيه وفتاه أنه رجل من أحاد الناس ألقت به الأقدار في طريقهما ، ولا يعرف هذا الفتى النجيب ، أن سيده هو الباحث عنه لكي يرشده الى كامل الهداية ويرسي به الى سلام المعرفة وادراك الحدود بين العلم الدنيوي والعلم اللدني من الله سبحانه وتعالى وأختص به بعض عباده الصالحين ،،،،،
اقتربا من الرجل الصالح الذي بدا مهيبا في طلعته واثقا في نفسه مطمئنا بملامح وجهه ، فالبشرة بدت ملوحة بشمس صحراء قاسية ، لكنها ما تركت الا هدؤا آثرا وجميلا ، وبدا سيدنا موسى ، وهو القوي الصلب العفي الحاسم القاطع في القول والعلم ، بمثابة تلميذ نبيل وديع أمام سيد في العلم لا يبارى ، وفي تلك اللحظة أدرك الفتى ، ولأول مرة ، أنه يقترب من حالة سيده " موسى " عليه السلام ، فهما أمام هذا القادم من بعيد ومن المجهول سواء !!! فالسيد النبي ، والفتى الوديع الصفي ، هما أمام العبد الصالح طلاب معرفة وباحثي علم وأبناء السبيل في محراب العلم الالهي ، علم المعرفة التي لا يعرفها أحد الا من اختصه الله بكامل رحمته وعظيم علمه ..... 

سكت الشيخ " محمد الغزالي " عن الحديث فجأة طالبا بعض قطرات من الماء ، وبدا مشهدنا نحن في حضرته طلاب معرفة وتلاميذ نسعى للاستماع والاطلاع على بعض نعمة اختص الله بها سيد العلماء ، شيخنا الحبيب ، وعبده المؤمن " محمد الغزالي " .......موقفان تشابها رغم تباعد السنين والعقود والمواقف والأجيال ، فموسى النبي يسعى الى المعرفة ويدفع الثمن الغالي ليصل اليها ، ونحن في حضرة سيد العلماء يأتينا العلم يَترى دون مشقة أو نٌصب ، لم ندفع شئ سوى نعمة الاستماع وجميل الهداية ، فالبركة تحف بالمكان والملائكة تسبح معنا بجلسة العلم ونعمة المعرفة ، ألسنا في حضرة صاحب المقام ، الحسين بن علي ،سبط رسول الله ؟؟؟؟...)

صلاح زكي احمد ... 2=4=2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق