حديث الروح وخلجات النفس ..... الجزء السادس :
( في أجواء انسانية صافية ، وعبق روحي يشمل الجميع في مسجد حفيد رسول الله ، بدا الشيخ الجليل ، وسيد العلماء حديثه ، ممهدا يالصلاة على النبي المختار عليه أفضل وأتم السلام ، غير أنه ولخبرة ضافية في التعامل مع عموم الناس وخاصتهم فضٌل أن يكون الحديث صاحب عمق فكري وبعد ثقافي يشمل جوانب لم يألفها من يستمع اليه في مسجد " عمرو بن العاص " ذلك المسجد الجامع الأول في تاريخ مصر الاسلامية ، غير أن الذاكرة تدفعني الى تذكر واقعة عن الشيخ " محمد الغزالي " ندرك منها قيمة هذا العبد الزاهد ، الواصل باذن الله ، الى بعض من رحمته وفضل من علمه اللدني ....
تقول الحكاية ، أن الرجل عند نهاية عقد الستينيات ، وكان مسئولا عن ادارة الوعظ في وزارة الأوقاف أن كلف بخطبة الجمعة الاسبوعية في مسجد هذا الصحابي الفاتح الجليل ، الا أنه وبسبب محبة جارفة لبيت رسول الله وأهله لم ينسى ل " عمرو بن العاص " ذلك الموقف الذي أخذه أثناء ما يعرف بالفتنة الكبرى ومحنة التحكيم ، حيث أتخذ موقفا رآه الشيخ انحيازا للظلم ومجافاة للحق ، مما رتب عليه شيخنا الجليل موقفا يتلخص في رفض الخطابة في مسجد " عمرو " ضاربا بعرض الحائط كافة الطلبات وكثير من الضغوط ، فالرجل رغم هدوئه الشديد ووداعة النفس التي يضارع بها كثير من أقرانه العلماء ، كان يبدو حاسما وقاطعا في قضايا الحق ولا يخشى على هذا الصعيد لومة لائم ....
المهم في ذات صباح ، دعاه عالم كبير وعلم في مجال الدعوة لله لايشق له غبار، فضلا عن فيض من المحبة والتقدير عند العامة من الناس وغالبية أبناء مدرسة الأزهر العريقة العتيقة ، اذ تلقى اتصالا تليفونيا من فضيلة الشيخ " احمد حسن الباقوري " أول وزراء الأوقاف في عهد ثورة يوليو 1952 ، وما ان حط الشيخ " محمد الغزالي " في ضيافة صديقة الجليل ، وبعد تمهيد من حلو الكلام وجميل الحديث ... قال المضيف لضيفه ما يثير العجب ، فهؤلاء الناس كانوا صفوة في النقاء والصدق لا يبارى ولا مثيل له الا القيل النادر ، قال له " شيخ محمد ... أيها الصديق الطيب لماذ تغضب صاحبنا عمرو ؟؟؟؟ " رد عليه الشيخ " الغزالي بالسؤال .... عمرو من ؟؟؟ ماذا تقصد ؟؟؟ فقال له الشخ الباقوري ... ومن غيره ، عمرو بن العاص !!!!؟؟؟....
يقسم الشيخ محمد الغزالي في أحدى كتبه أن موقفه من هذا الصحابي الجليل وأسباب رفضه الخطابه في مسجده لم يطلع عليه أحد كائنا من كان ، وظل هذا الموقف بل قل هذا السر طي الكتمان ، بل طي طويته !!!! ..... المهم ذهل الشيخ الغزالي مما سمعه من صديقه الكبير ووجه له سؤال ، لماذا هو غاضب مني ؟؟؟ قال له : الشيخ " الباقوري" لقد زارني في المنام ، طالبا مني أن ينقل اليك تلك الرسالة ... أن تخطب في مسجده ، أن تعتلي منبر رسول الله وتخاطب الناس بخلقك الحسن وغزير علمك "..... ثم سكت الشيخ الباقوري لبضع ثوان تاركا اياها لاستيعاب الشخ الغزالي دهشته وعجبه ، غير أنه لم يتركه كثيرا في تلك الحالة ، حيث أردف بالقول " أما زعلك من عمرو بن العاص ، بسبب ماحدث خلال محنة الفتنة الكبرى ، فيطلب منك تركها لله ليحكم فيها ويفصل بين أطرافها بحسبانهم جميعا من صحابة رسول الله الذي يقول عنهم صلى الله عليه وسلم " اذا تحدثتم عن صحابتي فحاذروا ، فانهم بين يدي الله " .... سكت الشيح " محمد الغزالي " ولم يعقب ، غير أنه منح صديقه الكبير القديم وعدا بالوفاء ، والذهاب الى مسجد " عمرو " ليخاطب الناس كما طلب الصحابي الجليل بغزير علمه وخلقه الحسن ...
تلك الواقعة الربانية كنت أعرفها عن شيخنا الجليل مما قرأته وعرفت الكثير عنه ، ولذلك كان وجوده في مسجد الامام الحسين ، نعمة من الله وفضل لا يعادله فضل في تلك الساعة ، فالشيخ "الغزالي" ظل ملازما وملتزما بخطبة كل يوم جمعة في مسجد "عمرو بن العاص " لسنوات طوال وفاء لوعد قطعه على نفسه للصحابي الكبير وصديقه الجليل ، لم ينقطع عنه سوى لبضع وقت ، قد يقدر بالشهور أو السنوات ، خلال النصف الثاني من عقد السبعينيات من القرن الماضي عندما طال نقده السياسي بعض أحوال الوطن آنذاك ...
المهم تحدث الشيخ بكلمات عربية فصيحة وأثرة لا ينافسها جمالا سوى صوت هادئ عميق مترع بالايمان ومشفوعا بالمحبة لمن يحيط به ويجلس في مجلسه الذي تحفه باذن الله الكثير من الملائكة ، افتتح الكلام بحديث عن رسول الله لم يقع عند غالبية السامعين الطيبين موقع الدهشة والجديد ...قال الشيخ الغزالي " جميعكم تعرفون الحديث الذي يقول فيه المصطفي الآمين ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لآخيه ما يحب لنفسه ) ..... بعدها سكت الشيخ كانه يتفحص وجوه المريدين والأحباب الجالسين مجلسه ،قائلا : أراكم تعرفون هذا الحديث أو قل أن غالبيتكم تسمعون عنه ، غير أن ما أقوله تفسيرا هو الجديد باذن الله ، فهو يضع مقياسا للفداء والتضحية لم يبلغها أحد الا اذا كان من أصفياء الله المخلصين وعباده الذين تركوا الدنيا غير عابئين ، فمن منكم يحب لآخيه ما يحب لنفسه ، وحاول ان يقدم الشيخ مايقدم من أمثلة على صحة مايقول ، قائلا " اذا اتيح لأحدكم فرصة عمل بعد شهور من التعطل ووقف الحال ، وتقدمت أنت وأحد اشقائك أو أصدقائك الأقربين الى ذلك العمل وتساوت الشروط وعوامل الكفاءة بينك وبينه ، هل تحب أن يقع عليك الاختيار أم على شقيقك وصاحبك ؟؟؟؟ الجميع سيقول : بالقطع أرغب في الحصول على تلك الفرصة ولا جدال ، واذا تماثل ذاك الموقف مع ابني وابن شقيقي ، فان الرغبة والمحاولة بل والفرصة أختصها لابني ولا تردد ؟؟؟ّ تلك يأعزائي هي الطبيعة البشرية وليست الطبيعة الانسانية والفرق بينهما كبير ... سكت الشيخ برهة من الوقت وقال : الأولى هي الاختيار والانحياز لنفسي وأولادي ولامعقب ، هي الانانية والأثرة والاكتناز والامتلاك ، أما الثانية فهي ترك الامور الى مدبر كل أمر عسير أويسير ، والدعاء الى صاحب النصيب بالتوفيق وسلامة القصد ونجاح السبيل ... موقف صعب يأحبائي كما ترون ، فمن يختار الخير يعده رسول الله باكتمال الايمان ، فيظل اسلامه غير منقوص ، أما من تنكب الطريق فعليه منا بالدعاء بالهداية وصالح الأعمال فالمؤمن لا ينبغي أن يعرف اليأس طريقا الى قلبه ، والا كان ضعيف الايمان قليل الثقة في الاسلام ، وهذا لايجوز .... سكت الشيخ الجليل ، استعدادا لدخول ما نعتبره فتحا من لدن العزيز الكريم ، وكأن الشيخ بلسانه ناقلا ما يعتمل غند من نحتسبهم عند الله من " أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون " ...)
صلاح زكي أحمد .... 28= 2= 2013 .
( في أجواء انسانية صافية ، وعبق روحي يشمل الجميع في مسجد حفيد رسول الله ، بدا الشيخ الجليل ، وسيد العلماء حديثه ، ممهدا يالصلاة على النبي المختار عليه أفضل وأتم السلام ، غير أنه ولخبرة ضافية في التعامل مع عموم الناس وخاصتهم فضٌل أن يكون الحديث صاحب عمق فكري وبعد ثقافي يشمل جوانب لم يألفها من يستمع اليه في مسجد " عمرو بن العاص " ذلك المسجد الجامع الأول في تاريخ مصر الاسلامية ، غير أن الذاكرة تدفعني الى تذكر واقعة عن الشيخ " محمد الغزالي " ندرك منها قيمة هذا العبد الزاهد ، الواصل باذن الله ، الى بعض من رحمته وفضل من علمه اللدني ....
تقول الحكاية ، أن الرجل عند نهاية عقد الستينيات ، وكان مسئولا عن ادارة الوعظ في وزارة الأوقاف أن كلف بخطبة الجمعة الاسبوعية في مسجد هذا الصحابي الفاتح الجليل ، الا أنه وبسبب محبة جارفة لبيت رسول الله وأهله لم ينسى ل " عمرو بن العاص " ذلك الموقف الذي أخذه أثناء ما يعرف بالفتنة الكبرى ومحنة التحكيم ، حيث أتخذ موقفا رآه الشيخ انحيازا للظلم ومجافاة للحق ، مما رتب عليه شيخنا الجليل موقفا يتلخص في رفض الخطابة في مسجد " عمرو " ضاربا بعرض الحائط كافة الطلبات وكثير من الضغوط ، فالرجل رغم هدوئه الشديد ووداعة النفس التي يضارع بها كثير من أقرانه العلماء ، كان يبدو حاسما وقاطعا في قضايا الحق ولا يخشى على هذا الصعيد لومة لائم ....
المهم في ذات صباح ، دعاه عالم كبير وعلم في مجال الدعوة لله لايشق له غبار، فضلا عن فيض من المحبة والتقدير عند العامة من الناس وغالبية أبناء مدرسة الأزهر العريقة العتيقة ، اذ تلقى اتصالا تليفونيا من فضيلة الشيخ " احمد حسن الباقوري " أول وزراء الأوقاف في عهد ثورة يوليو 1952 ، وما ان حط الشيخ " محمد الغزالي " في ضيافة صديقة الجليل ، وبعد تمهيد من حلو الكلام وجميل الحديث ... قال المضيف لضيفه ما يثير العجب ، فهؤلاء الناس كانوا صفوة في النقاء والصدق لا يبارى ولا مثيل له الا القيل النادر ، قال له " شيخ محمد ... أيها الصديق الطيب لماذ تغضب صاحبنا عمرو ؟؟؟؟ " رد عليه الشيخ " الغزالي بالسؤال .... عمرو من ؟؟؟ ماذا تقصد ؟؟؟ فقال له الشخ الباقوري ... ومن غيره ، عمرو بن العاص !!!!؟؟؟....
يقسم الشيخ محمد الغزالي في أحدى كتبه أن موقفه من هذا الصحابي الجليل وأسباب رفضه الخطابه في مسجده لم يطلع عليه أحد كائنا من كان ، وظل هذا الموقف بل قل هذا السر طي الكتمان ، بل طي طويته !!!! ..... المهم ذهل الشيخ الغزالي مما سمعه من صديقه الكبير ووجه له سؤال ، لماذا هو غاضب مني ؟؟؟ قال له : الشيخ " الباقوري" لقد زارني في المنام ، طالبا مني أن ينقل اليك تلك الرسالة ... أن تخطب في مسجده ، أن تعتلي منبر رسول الله وتخاطب الناس بخلقك الحسن وغزير علمك "..... ثم سكت الشيخ الباقوري لبضع ثوان تاركا اياها لاستيعاب الشخ الغزالي دهشته وعجبه ، غير أنه لم يتركه كثيرا في تلك الحالة ، حيث أردف بالقول " أما زعلك من عمرو بن العاص ، بسبب ماحدث خلال محنة الفتنة الكبرى ، فيطلب منك تركها لله ليحكم فيها ويفصل بين أطرافها بحسبانهم جميعا من صحابة رسول الله الذي يقول عنهم صلى الله عليه وسلم " اذا تحدثتم عن صحابتي فحاذروا ، فانهم بين يدي الله " .... سكت الشيح " محمد الغزالي " ولم يعقب ، غير أنه منح صديقه الكبير القديم وعدا بالوفاء ، والذهاب الى مسجد " عمرو " ليخاطب الناس كما طلب الصحابي الجليل بغزير علمه وخلقه الحسن ...
تلك الواقعة الربانية كنت أعرفها عن شيخنا الجليل مما قرأته وعرفت الكثير عنه ، ولذلك كان وجوده في مسجد الامام الحسين ، نعمة من الله وفضل لا يعادله فضل في تلك الساعة ، فالشيخ "الغزالي" ظل ملازما وملتزما بخطبة كل يوم جمعة في مسجد "عمرو بن العاص " لسنوات طوال وفاء لوعد قطعه على نفسه للصحابي الكبير وصديقه الجليل ، لم ينقطع عنه سوى لبضع وقت ، قد يقدر بالشهور أو السنوات ، خلال النصف الثاني من عقد السبعينيات من القرن الماضي عندما طال نقده السياسي بعض أحوال الوطن آنذاك ...
المهم تحدث الشيخ بكلمات عربية فصيحة وأثرة لا ينافسها جمالا سوى صوت هادئ عميق مترع بالايمان ومشفوعا بالمحبة لمن يحيط به ويجلس في مجلسه الذي تحفه باذن الله الكثير من الملائكة ، افتتح الكلام بحديث عن رسول الله لم يقع عند غالبية السامعين الطيبين موقع الدهشة والجديد ...قال الشيخ الغزالي " جميعكم تعرفون الحديث الذي يقول فيه المصطفي الآمين ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لآخيه ما يحب لنفسه ) ..... بعدها سكت الشيخ كانه يتفحص وجوه المريدين والأحباب الجالسين مجلسه ،قائلا : أراكم تعرفون هذا الحديث أو قل أن غالبيتكم تسمعون عنه ، غير أن ما أقوله تفسيرا هو الجديد باذن الله ، فهو يضع مقياسا للفداء والتضحية لم يبلغها أحد الا اذا كان من أصفياء الله المخلصين وعباده الذين تركوا الدنيا غير عابئين ، فمن منكم يحب لآخيه ما يحب لنفسه ، وحاول ان يقدم الشيخ مايقدم من أمثلة على صحة مايقول ، قائلا " اذا اتيح لأحدكم فرصة عمل بعد شهور من التعطل ووقف الحال ، وتقدمت أنت وأحد اشقائك أو أصدقائك الأقربين الى ذلك العمل وتساوت الشروط وعوامل الكفاءة بينك وبينه ، هل تحب أن يقع عليك الاختيار أم على شقيقك وصاحبك ؟؟؟؟ الجميع سيقول : بالقطع أرغب في الحصول على تلك الفرصة ولا جدال ، واذا تماثل ذاك الموقف مع ابني وابن شقيقي ، فان الرغبة والمحاولة بل والفرصة أختصها لابني ولا تردد ؟؟؟ّ تلك يأعزائي هي الطبيعة البشرية وليست الطبيعة الانسانية والفرق بينهما كبير ... سكت الشيخ برهة من الوقت وقال : الأولى هي الاختيار والانحياز لنفسي وأولادي ولامعقب ، هي الانانية والأثرة والاكتناز والامتلاك ، أما الثانية فهي ترك الامور الى مدبر كل أمر عسير أويسير ، والدعاء الى صاحب النصيب بالتوفيق وسلامة القصد ونجاح السبيل ... موقف صعب يأحبائي كما ترون ، فمن يختار الخير يعده رسول الله باكتمال الايمان ، فيظل اسلامه غير منقوص ، أما من تنكب الطريق فعليه منا بالدعاء بالهداية وصالح الأعمال فالمؤمن لا ينبغي أن يعرف اليأس طريقا الى قلبه ، والا كان ضعيف الايمان قليل الثقة في الاسلام ، وهذا لايجوز .... سكت الشيخ الجليل ، استعدادا لدخول ما نعتبره فتحا من لدن العزيز الكريم ، وكأن الشيخ بلسانه ناقلا ما يعتمل غند من نحتسبهم عند الله من " أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون " ...)
صلاح زكي أحمد .... 28= 2= 2013 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق