الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

( صور متفرقة عن الدكتور اسامة الباز في يوم الرحيل ) 


الصورة الخامسة : 




( .... في المقهى القريب من مجلة روزا يوسف المصرية ، ويقع في منتصف شارع القصر العيني كان الحديث ممتدا مع الدكتور اسامة الباز في حضور احد أصدقائه ، وذلك في بدايات شهر أكتوبر من عام ١٩٧٨ ، وغداة وصوله من الولايات المتحدة عقب مشاركته الرئيس السادات في مفاوضات كامب ديفيد ..... 
كان عتاب الدكتور اسامة الي شخصيا يرجع إلى غيابي عنه لفترة من الزمن اقتربت لنحو السنتين .... اعتبرها الرجل النبيل عقوقا ما كان ينبغي ان يصدر مني !!!؟؟؟ وأنا اعتبرت ما حدث سواء خطا أو صوابا اجتهادا ، مجرد اجتهاد لترك الدكتور اسامة لعمله ، الذي أدرك انه يؤديه بكفاءته المشهود بها من كل من عرفه أو اقترب منه ، ففي أجواء محمومة ، سياسية وإعلامية صاحبت خطوة الرئيس السادات بالذهاب إلى القدس ، كان النظام وأجهزته ، كل أجهزته في حالة من الاستنفار والعدوانية البالغة .... 
المهم استمع الدكتور اسامة لما قدمته من تفسير لسبب الغياب ، غير انه وبكرم منه ، أبدى رغبته في استمرار التواصل وبنص كلماته ... " الاطمئنان المتبادل " وأردف بالقول " ... انت مش شايف زي ما بتقول ان في أجواء محمومة في البلد والمنطقة ؟؟؟!!! .... هذا داعي قوي للاطمئنان .... ثم سكت وقال " اطمئن عليك يا سيدي . العملية اللي دخل فيها الرئيس السادات غيرت حسابات وتوازنات كتير في المنطقة ، انه زلزال ، سواء كنا مع هذا الوصف أو ضده .... لكن حقائق الأمور ، السادات هو صاحب المبادرة ، ولكنها حلقت في أجواء بعيدة ، تحاول أطراف عديدة الإمساك بها ، سواء من أراد الإمساك بها ليفجرها من اجل القضاء عليها ، أو يمسك بها ليلحق بها ، قالها الدكتور اسامة بالعامية المصرية " يتشعلق فيها " لكي يأخذ من التورتة ما يراها محققا لمصالحه .... " .
... وبعد فترة صمت لم تطل ، قلت للدكتور اسامة ، اعتقد أنني أجبت أو قدمت تفسيرا لسبب الغياب .... لم يتوقف كثيرا عند التعقيب ، وبدا لي نصف مقتنع ونصف رافض لما ذكرته ، وهذا دعاني إلى ان أبادر بسؤاله ، " .... هذا هو السبب الأول للزعل ... ماهو السبب الثاني ؟؟؟؟ ... وفي اقل من دقيقة وجدته يخرج من جيب قميصه ، حيث كان يرتدي " قميصا بسيطا وبنطلون جينز "بضع ورقات بيضاء ، وقال لي وهو يعطيني إياها " ... هذا هو السبب الثاني للزعل .... !!!؟؟؟ وما ان فتحتها ، حتى أدركت ماهي ... أنها " بيان حزب التجمع الصادر عن الأمانة العامة للحزب بشان الموقف من اتفاقية كامب ديفيد " .... البيان وللحق يقال كان هو الصوت الذي يكاد يكون وحيدا ، مع بعض المواقف الأخرى المحدودة التي عارضت تلك الاتفاقية .... لكن اللافت للنظر ان غضب الدكتور اسامة لم يكن مني فقط بشان هذا البيان الحاد والموضوعي - على الأقل من وجهة نظر من أصدروه - كان غضبه مني بسبب توقيعي على هذا البيان وبحكم ما تصوره مني وعني انه لا يشارك في عمل يناقض ضميره وقناعاته الوطنية .... ، وكان غضبه من اثنين من أصدقائه اشد وأعنف ، والعنف ليس عنفا في اللفظ أو القول ، فلم يعرف عنه طوال عمره غير رقة الكلمة وجمال التعبير، رغم الوضوح والحسم فيما يقول ، فهو الخبير في اللغة كتابة وحديثا .... كان غضبه من الأستاذين .... لطفي الخولي ومحمد سيد احمد .... واضحا ، وقال لي الدكتور اسامة ".... هل تعلم أنني وفور وصولي إلى القاهرة تحدثت مع لطفي ومحمد وأبلغتهما بكل ما دار في كامب ديفيد وموقفي وموقف زملائي في الوفد المصري ، عبد الرؤوف الريدي ونبيل العربي واحمد ماهر وأبو الغيط حتى ان رئيس الوزراء الإسرائيلي مناجم بيجين حاول الإيقاع بيننا وبين الرئيس السادات ..!!؟؟؟ واصفا جماعتنا بأننا " عصابة وزارة الخارجية المصرية " التي تحاول إفساد كل شيئ يمكن التوصل اليه من اجل ما أسماه السلام .....؟؟؟!!! 
حينها حاولت التخفيف من غضب الدكتور اسامة ، لكي اذهب بعض الشئ عن أسباب غضبه ، فقلت له ، أولا ، نتحدث عن أسباب التوقيع على البيان الصادر من الحزب ... هذا كما تعرف ليس أمرا معتادا . فمع صدور أي بيان يتم الاكتفاء باسم " الأمانة العامة " فقط .... وقبل ان استكمل كلامي .....فأجائني الدكتور اسامة ، قائلا ".... لطفي هو الذي أصر على توقيع كل أعضاء الأمانة العامة على البيان ، ولم يترك البيان يخرج بحالته المعتادة ... هل تعرف السبب ؟؟.... ؟ التزمت الصمت من هول المفاجأة ، كيف عرف ؟؟؟!!! ..... وقبل ان افكر فيما سوف يقوله ، توقعت ما قاله ، اعرف ان ثمة صراعات داخل الحزب ومن ثم الأمانة العامة ، بعضها حزبي وتنظيمي والآخر شخصي ... ولم أبادر بتقديم تفسير أو حتى إشارة لما يدور في ذهني واعرف به حق اليقين ، وتركت نفسي استمع لما يقوله الدكتور اسامة ، لقد لخص المسالة بالصراع حول من ينال ثقة الأستاذ خالد !!!؟؟؟ هل هو لطفي الخولي أم الدكتور رفعت السعيد ؟؟؟!!! " .... تعرف ان الأستاذ خالد هو الذي اختار رفعت بعد خروجه من المعتقل عام ٦٤ ليعمل معه في جريدة الأخبار وأخبار اليوم عندما كان الأستاذ خالد رئيساً لمجلس إدارتها ، وعمل أيضاً معه في سكرتارية مجلس السلام العالمي في الوقت الذي كان رئيساً لهذا المجلس .... قلت اعرف ذلك كله ، واعرف ان الدكتور رفعت بالنسبة للأستاذ خالد هو بمكانة ومنزلة الابن .... لكن إيه دخل الأستاذ لطفي الخولي في الموضوع ؟؟؟!!! .... قال الدكتور اسامة "..... عندي تفسير لا يغيب عن فكرة الصراع من اجل من ينال ثقة الأستاذ خالد ، وذلك بتحطيم أدوات القوة والنفوذ لرفعت عند بعض الأجهزة النافذة في الدولة ؟؟؟!!! غير أنني حاولت ان أوضح له أمرا يكاد الجميع يعرفه في أروقة الحزب . فقد فهمت وبسرعة ما يرمي اليه الدكتور اسامة ، ان الدكتور رفعت له صلات قوية بأجهزة الأمن ؟؟!!! .... وقلت له مادار في ذهني ، بل أضفت له تفسيرا حقيقيا لتلك الحقيقة ، وقلت له ".... ما تفكر فيه يا دكتور يحسب لصالح الدكتور رفعت ولا يحسب عليه ... فقد اتفق الجميع على ان يكون قناة الاتصال مع النظام سواء رئاسة الجمهورية أو الأجهزة السيادية والأمنية هو شخص واحد يثق فيه الجميع أو بالدقة اغلب أعضاء الحزب ، فضلا عن ثقة الأستاذ خالد شخصيا ، ذلك الشخص هو رفعت السعيد ..... " قلت ما قلته وسكت ، ثم وجدت الدكتور اسامة ، ينفجر في الضحك ، وقال لي " .... لقد خانك ذكائك . انت متصور أنني اشك في ولاء رفعت السعيد للأستاذ خالد وللحزب .... لآ ، لا ، انت رحت بعيد ... ما كان يستهدفه لطفي الخولي هو اختبار مدى شجاعة وانحيازات رفعت السعيد بالتوقيع على البيان ، هل سيوقع مع الذين وقعوا من أعضاء الأمانة العامة وبذلك يفقد احد عناصر القوة التي يمتلكها بوصفه قناة الاتصال مع تلك الأجهزة القوية في الدولة ؟؟؟ أم سيجد مخرجا ومبررا لعدم التوقيع ، ليخسر مصداقية داخل الحزب ؟؟؟!!! لعبة معقدة كما ترى ،،، ولكنها الحقيقة ،،!!!؟؟ 
غير أنني بادرت الدكتور اسامة بالقول ، لكنك ترى توقيع الدكتور رفعت على البيان مما يعني ، انه حدد اختياره بالانحياز لوجهة نظر الحزب دون الخوف من فقدان الثقة من الرئاسة أو غيرها ....؟؟؟!!! وفي لمح البصر وجدت الدكتور اسامة يقول لي ، هذا الذي لم يفهمه لطفي الخولي بالمرة ....فبتوقيع رفعت السعيد على البيان كسب مصداقيته أمام قيادة الحزب وأعضاءه ، ولم يخسر ثقة الرئاسة ولا أجهزة السلطة والسيادة ..... وفي كل الأحوال هو يؤدي دورا وطنيا وحزبيا بلا شك .... !!!؟؟؟ ..... ثم سكت بضع ثوان وقال لي ".... هل تعلم ان هذا الاجتماع وبوسائل حديثة وربما بشرية كان موضوعا تحت المراقبة ، أقول لك ما قاله محمد سيد احمد عني خلال هذا الاجتماع ؟؟؟؟؟!!!! 
عندها التزمت الصمت لكي اعرف المزيد من الفهم والإدراك عن عالم عميق من السياسة ومناوراتها وخبايا ها .... انه " عالم عجيب عجيب عجيب " ...... على حد اسم فيلم أمريكي كان حديث العالم في سنوات الستينيات ؟؟؟؟!!!!
صلاح زكي احمد .... القاهرة في ٢٠ / ٢١ / ٩ / ٢٠١٣ ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق