صور متفرقة عن الدكتور أسامة الباز مع يوم الرحيل
الصورة الأولى :
في مبنى اللجنة المركزية لمنظمة الشباب في ( ١١ شارع حسن صبري في حي الزمالك بالقاهرة ) ..... كان الدكتور أسامة الباز قد جاء بعد سنوات من حصوله على الدكتوراه في القانون من جامعة " هارفرد " الأمريكية العريقة ، ليتولى مسئولية سكرتير العلاقات الخارجية باللجنة المركزية للشباب ، كان المجئ مرتبطا بالدكتور " كمال أبو المجد " أول أمين للشباب في عصر الرئيس السادات ، وتحديدا في سبتمبر عام ١٩٧١ ..... كنت وقتها قادما من مدينتي الزقازيق ، وباختيار الدكتور أبو المجد ، لكي اعمل في نفس اللجنة المركزية في سكرتارية التثقيف " مسئولا عن الدراسات والبحوث وإعداد وكتابة البرنامج التثقيفي لعشرات اللآلآف من الشباب أعضاء منظمة الشباب .... وتلك قصة أخرى أتمنى ان يتاح الزمن والوقت لكتاباتها ...... المهم جاورنا الدكتور أسامة في نفس المبنى انا وبعض زملائي ، فقد كان الرجل دمث الخلق غزير الفكر واسع الثقافة .... كان يتحدث في الفن بكل صوره حديث الخبير المطلع ، اهتمام يبلغ حد العشق للفنون التشكيلية ومعرفة مذهلة بالمدارس الفنية من تكعيبية وسريالية وطبيعية وتجريدية ، وكان حريصا على الدوام لمصاحبته خلال زياراته المتعددة للمعارض الفنية ، ولحسن الحظ أنها كانت قريبة من مكان عملنا ، اغلبها كان في حي الزمالك ، وبعضها في الجامعة الأمريكية بقاعة " ايوارت " وعدد من صالات العرض بشارع قصر النيل ،،،، غير أننا فوجئنا بحرصه على ان يصحبنا للتعرف على كبار الفنانين من أمثال " صلاح طاهر وحسين بيكار وجمال كامل وحسن فؤاد وبهجت عثمان ومحي الدين اللباد وغيرهم ..... لم تتح لي بطبيعة الحال ان اسعد بلقاء كل هؤلاء النجوم بصحبة الدكتور أسامة ، ولم يكن المانع من جانبي تكاسلا أو إهمالا ، بل كان الدكتور أسامة ، برغم علمه وانضباطه الشديد رجل المفاجآت السارة ، ففي وقت عارض يقول " انا ذاهب الآن إلى الفنان الفلاني أو الكاتب العلاني أو سوف أتوجه حالا إلى مشاهدة مسرحية في المسرح القومي ....مين اللي يجي معايا !!!! وهكذا .... إذا كنت سعيد الحظ اذهب معه انا وزميل عزيز هو الأستاذ " جمال شاهين " الذي وصل إلى درجة السفير فيما بعد بوزارة الخارجية المصرية .... أما إذا كنت في رحلة عمل خارج القاهرة ، لا أنال شرف الصحبة ولا جمال اللقاء المرتقب بواحد من هؤلاء القمم ....ذكريات رائعة تثير الشجن في النفس ، فقد كان الرجل في داخله شخصية المعلم والأستاذ والحب العميق لجيلنا ، وسألته يوما لماذا هذا الحرص على ان نصحبك حيث لقائك مع هؤلاء الكبار ؟؟؟؟ قال لي يومها " انتم جيل بلا أساتذة ،،،، هؤلاء هم أساتذتي في الحياة ، وهم جيل الوسط بعد جيل العمالقة مثل العقاد وطه حسين واحمد أمين وهيكل باشا فضلا عن مختار وسيف وانلي وأدهم وانلي ومحمود سعيد ....." .... يسكت ويقول " انتم جيل يتيم ، وأنا لا أريد ان تكونوا جيلا ضائعا !!!! أعرفكم بهؤلاء لأنكم لن تجدوا أمثالهم في الجامعات إلا فيما ندر ... وفجاءة يتوقف ويقول هل تعرفون الدكتور محمد أنيس المؤرخ الكبير وشقيقه الدكتور عبد العظيم أنيس المناضل اليساري عالم الرياضيات المرموق ؟؟؟؟ نجيب ونقول " نسمع عنهم ونقرأ لهم لكن لم نراهم !!!! يقول" غداً نراهم بإذن الله .... ثم يسرع بالقول ولا خليها للصدفة ، يمكن أعرفكم على الدكتور زكي نجيب محمود وتلميذه النجيب الدكتور فؤاد .... وتسأله نحن من هو الدكتور فؤاد هذا ؟؟؟؟ هل هو فؤاد مرسي ؟؟؟ يضحك من جهلنا ، ويقول انتم أيها اليساريون لا تحبوا إلا زعمائكم ، على أي الأحوال الدكتور فؤاد مرسي صديقي . والمشوار من هنا اليه سهل جداً فهو من سكان الزمالك حيث نقيم ... عايزين تزوروه ؟؟؟؟ انا جاهز .... كان يقولها بلكنته المحببة إلى النفس وبلغة عربية فصيحة ..... كان رحمه الله يذكرك بعمنا نجيب محفوظ ، وهو بالمناسبة احد أصدقائه ، يمزج بين الفصحى والعامية المصرية بصورة مدهشة ..... ولكنه يسرع ويقول ( اقصد ياجهبذ انت وهو الدكتور فؤاد زكريا ، أستاذ الفلسفة العظيم ..... أرجوكم اقراءوا مؤلفاته قبل ذهابنا اليه ، ان أكبر ما يسعد الدكتور زكريا هو ان تناقشه في مؤلفاته ..... ولا يتوقف عطاء الدكتور أسامة عند هذا الحد .... فيبادر بسؤالي " صلاح عندك مؤلفات الدكتور فؤاد ؟ لو مفيش قولي بكرة احضر لكم بعض من أعماله ..... أجيبه " عندي بعض مؤلفاته مثل التفكير العلمي وكذلك كتاباته النقدية عن الحركة الإسلامة ، فضلا عن دراساته في مجلة الفكر المعاصر ....... كان يرد بسرعة ممتاز ، ممتاز .... ذاكر انت وجمال علشان ترفع رأسنا ، انت وهو ....
لكننا وبحكم السن . وبعض من نقاء الشباب ، أو بالتحديد شقاوة تلك السن " كنا نضحك في سرنا عندما كان الدكتور أسامة يذكر الدكتور فاروق الباز ..... ويقول لنا انه شقيقه ....ويردف بالقول انتم مش مصديقين والا ايه ؟؟؟.... ويضيف لزمة من لوازمه " مش كده والا ايه ؟؟؟؟ ...فنؤمن على قوله دون اقتناع ...." فلة أدب مننا بلا شك !!!"... كان وقتها الدكتور فارو ق ملأ السمع والبصر ، كان هو العالم الذي حدد للأمريكان في مشروع ابولو لغزو القمر أي موضع يهبط " نيل ارمسترونج وزميله على سطح القمر !!!! كانت تلك( الخطوة البسيطة لإنسان الكبيرة للبشرية ) امتلكت خيال الدنيا ، وارتفع اسم الدكتور فاروق الباز إلى عنان السماء ، حتى ان الفنان العظيم " يوسف شاهين جعل من " الباز" العالم نموذجا يحتذى في فيلمه "عودة الابن الضال ..." ...... حينها كان الدكتور اسامة يقول " أخويا فاروق عمل كذا ، وقال كذا ، وقابل الزعيم الفلاني امس ..... إلا أننا كنا نستمع إلى الدكتور اسامة ، ونحن غير مصدقين ، ونقول في سرنا ربما يكون قريبه أو من قريته !!؟؟؟ معقول هذا الإنسان المتواضع شقيق هذا العالم ، صحيح الدكتور اسامة مثقف جداً ، بس مش للدرجة دي ، انه أخو الدكتور فاروق ؟؟؟!!! وبذكائه الحاد كان يلمح ما يدور في داخل عقولنا القاصرة ؟؟؟؟؟ ويقول بكرة ها تصدقوا، دا انا مش شقيقه بس ، دا انا اخوه الكبير ......
وتمر الأيام ويصدق الدكتور اسامة فيما قاله ، بل يحكي الكتور فاروق عن شقيقه ما ينم عن فضل ورياده ، فيقول " كنا قبل قيام ثورة يوليو بقليل نقوم بمظاهره ضد الملك فاروق فيقبض على المئات من الشباب وكنت انا واحدا منهم ، وعند مثولنا أمام وكيل نيابة الأزبكية وبعد سؤالي عن اسمي ، يقول لي " هو انت تقرب للمستشار اسامة الباز ، وكيلة نيابة الموسكي ؟؟؟ فقلت له " هو أخويا الكبير " !!!! سكت وكيل النيابة ،،،،، وقال لي " علشان خاطر أخوك روح بيتكم ...... وسلم عليه ...... " ....
الجميل في تلك العلاقة بين العالم وشقيقه الدبلوماسي والمفكر ، انهما كانا أصحاب اجتهادات مختلفة في السياسة والحياة ، فقد أبرما اتفاقا يرسي المحبة بين الاثنين. ، ان لا يتدخل الدكتور فاروق في الآراء السياسية للدكتور اسامة ، ومن جانبه لا يتدخل بالتعقيب على اجتهادات الدكتور فاروق العلمية .....
كان زمن الاحترام الجميل ، زمن اسامة الباز .... ) ....صلاح زكي احمد ...... القاهرة في ١٤/ ٩ / ٢٠١٣
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق