الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

حديث الروح وخلجات النفس ..... الجزء العاشر :

حديث الروح وخلجات النفس ..... الجزء العاشر :

( بدا سيد العلماء يشارف النهاية في حديثة ، مطورا الفكرة التي بدأ بها كلامه ، ماسكا بعقولنا برفق وحنان من حيث بدأ الى حيث كنا ، اذ وعدنا الشيخ "محمد الغزالي" بالحديث عن من هم ليسوا بأنبياء ولكنهم في منزلة تلامس أصحاب الرسل ممن جاء الله على ذكرهم في كتابه الكريم ، فلم يذكر القرآن أحد منهم بالاسم مثل أسماء الأنبياء المرسلين والبالغ عددهم خمسة وعشرين نبيا ورسولا ، الا أنه بادر بالتمهيد لحديثه المتجدد بالمعرفة والمترع بالمحبة ، ..... فبعد أن حلت البركة بدعاء سيد العلماء ، في ما تناولناه من الماء والتمر ، تحدث الشيخ بعد أن أطرق بضع ثوان ناظرا الى سماء مسجد سيدنا الحسين ، قال : أحبائي ، أذكركم بما وعدتكم بالحديث عنهما ، أولا : ذلك العبد الصالح الذى التقى سيدنا موسى عليه السلام ، ونعرفه نحن باسم " سيدنا الخضر " ، أما العبد الصالح الثاني ، فهو ذلك المشارك في ملأ نبي الله سليمان واستشاره في مساعدته في دعوة ملكة سبأ الى كامل الاسلام وما يستطيع ان يقدمه في تلك الدعوة المباركة ..
الجميع التزم التسليم بما سوف يجود به الله على شيخهم من وافرالعلم ، وعليهم بوافر النعمة ، نعمة المعرفة والعمل بها باذن الله ، قال الشيخ النبيل " تعرفون جميعا أن نبي الله موسى عليه السلام أرسل الى بني اسرائيل بعد سنوات من الاضطهاد وصنوف من السخرة من فرعون وملأه لسنوات طوال ، وقيض لهم الله بعد العذاب مخرجا ، وانتقل بهم من مصر الى الأرض المباركة ، أرض فلسطين ، وكانت سيناء المصرية هي محطتهم الأولى في تلك الرحلة ، وهي مرحلة شهدت من صور التمرد والمعاناة على نبي الله ما ينوء به عزم أقوى الرجال وأشدهم صبرا واحتمالا ، وكان " موسى " بعون الله من ذلك الطراز من الأنبياء اولي العزم وهم الذين يذكرهم القرآن ويحددهم رسولنا الكريم بخمسة من الرجال وهم أنبياء الله صلوات الله عليهم " نوح وابراهيم وموسى وعيسى ونبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام " .... ضاق هذا النبي الكريم ذرعا بأفاعيل قومه التي يأتي القرآن الكريم على ذكرها في العديد من سوره الكريمات ، حتى أننا نشفق على ما وقع بهذا النبي الصالح من أذى رغم تراكم العهود والقرون من هذا القوم اللئيم ، قتلة الأنبياء أبناء الجحود وأتباع الفرقة والكفر بالنعمة .... والحكاية يأحبائي تبدأ من عند موسى وفي صحراء سيناء ، حيث يقول القرآن الكريم في سورة البقرة ( واذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ).... وكما هو واضح ياحبائي فان هذا النبي الكريم بعد أن لبى نداء ربه وذهب الى حيث الموعد الذي استمر أربعين ليلة وجد حال قومه غير الحال الذي تركه عليهم قبل أن يغيب عنهم ، فقد وجدهم أقرب الى الكفر بالنكوص الى عبادة الأوثان المشفوعة بالباطل والمغلفة بالحرام ، فلم يكتفوا بعبادة العجل بعد أن هداهم الله ، فقد ساقوا من المبررات ما أرادوا به الضلال حيث ادعوا أن صناعة العجل مباركه بأخذ قبضة من التراب الذي مسه جبريل عليه السلام ، ويتحدث السامري باسم من ضلوا فيقول لموسى عليه السلام كما جاء في سورة طه ( قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ) ولم يكتفوا بهذا الحد من سوق الضلال ، بل كشفوا عن الحرام المصنوع به العجل المعبود لديهم ، حيث يبلغنا القرآن الكريم في سورة طه أيضا تبريرا وتضليلا ( قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ) ..... وهكذا يسوقون التزوير والتضليل واحدة اثر اخرى ، اذ يدعون أن نكوصهم الى الكفر لم يكن بأيديهم ولكنهم اجبروا عليه ، حيث زعموا أنهم أرادوا التطهر من سرقة زينة القوم ، أي المصريين ، من ذهب وفضة وكريم المعادن ، وذلك بحرقها وصنع العجل المعبود ، وفي كل الأحوال كانوا للسامري تابعين منقاضين مستسلمين للحرام !!!! 

سكت سيد العلماء عما رصد من ضلال أهل الضلال ، وبدأ يمهد لدخول العبد الصالح في المشهد ، والذي رسمه الشيخ " الغزالي " بكل اقتدار ، حيث بادر بطرح السؤال المتوقع في هذه الحالة : ماهو حال هذا النبي الكريم ازاء هذا الموقف المعقد والمتمرد من قوم جاء اليهم بالهداية ، ففي سورة طه يبلغنا رب العرش العظيم بما ألمٌ من ألم بنبي الله الكريم ( فرجع موسى الى قومه غضبان أسفا ، قال ياقوم ألمٌ يعدكم ربكم وعدا حسنا ، أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ) .... قمة الغضب يأحبائي كما ترون على ما جرى من هؤلاء القوم ، فليس بعد الكفر ذنب وليس بعد الجحود والضلال من هاوية !!!! بعدها كما يقول السلف وكتب التراث والسيرة ، دعا موسى عليه السلام قادة القوم ، بواقع شيخ أو مايقولون حبر من أحبارهم ، لكل فرع من بني اسرائيل لكي يعيدهم الى جادة الطريق ، وقد بلغ عددهم نحو سبعين اماما من أئمتهم ، تحدث " موسى " بقدر ما امتلأ قلبه بالغضب خوفا على دين الله والحرص على اكمال الرسالة التي انزلت عليه وكلف بها ، و بدت آنذاك في مهب الريح لولا رحمة من ربي .... 

وقف موسى معتليا صخرة ، متوسطا خيمة كبيرة اعتاد كبار القوم الاجتماع بها مع رسولهم ، موجها كلمات غاضبة الى من أئتمنهم على قيادة القوم حين غاب أربعين ليلة داعيا اياهم مساعدة أخيه " هارون " عليه السلام والانصياع له ، لكن القوم نكصوا بالكفر وعادوا الى ضلالهم القديم !!!! قال هذا النبي الصالح ، " لقد تنكبتم الطريق ولم تحافظوا على أمانة السماء التي كلفني الرب بها ، وسوقتم الضلال فوق الضلال حتى بات ركاما فوق ركام ، فأصابكم غضب الرب وغضبي ، وأردف بالآية الكريمة من سورة طه ( ءانما ءالاهكم الله الذي لا ءاله ءالا هو وسع كل شيء علما ) وسكت موسى بعض الوقت الذي لم يتجاوز الثوان المعدودات ، الا انه وجد من انبرى من القوم ، من يرد عليه ويحاول كفرا وعنادا وجحودا أن يدافع عن الباطل وعظيم الضلال ؟؟؟ !!!! مما دفع عليه السلام الى الرد بغضب يتفق وجلال النبوة .... قال موسى كلاما قليلا حاسما ، أنهاه بما نقل عنه من كتب التراث والسيرة " أيها القوم ماذا أنتم فاعلون مع موسى أعلم أهل الأرض ، ألا تدركون ذلك ؟؟؟؟ وتعرفون ما أحمل لكم من علم وهداية لم يحملها أحد من العالمين ، أنا موسى ابن عمران وكفى " ... وقف شيخنا الجليل لكي يعقب على هذا الموقف الجلل ، قال الشيخ " محمد الغزالي " بعد قليل من الصمت " كما ترون يأحبائي أن الغضب قد تملك من نبي الله ، فبعد أن اتخذ قراراته بنسف العجل والالقاء به في عرض اليم ، وطرد السامري ،وبأمر من الرب من رحمة رب الأرباب ، عاد " موسى " الى الدفاع عن نفسه بارساء مكانته بين قومه والا ذهبت ريحه ، فهو يدرك غرورهم ويفهم طبائعهم ، فغاد يذكرٌ بما يملكه من المعرفة والعلم لهذا القوم الجحود !!! ، لكنكم يأحبائي تجدون أن الغضب أضاع على نبي الله ما كان واجبا أن يقوله عند ذكره نعمة العلم ، فلم يرجعه الى الله والي فضل وكرم ربه وربنا !!! 

وعندما سكت الغضب عن نبي الله ، وأنفض الجمع وذهب كل من أئمة قومه الى كل قبيلة من قبائل بني اسرائيل يحادثونهم بما جرى ، أسدل الليل ستائره ، وبات الليل سجى ، تغشى النبي الكريم ، كليم الله ، النوم العميق ، فبعد يوم عاصف عنيف ما ذا نتوقع ان يلم بهذا الجسد الذي مهما تعاظم في قوة البنيان وسلامة القصد وحسن الطوية ، سوى النوم كما ننام ويخضع لرحمة الله كما تهجع كل الكائنات ، وكل من يملك نفسا وروحا ... لكن روح هذا النبي الذي وصفه الله بالوجيه في الدنيا والآخرة ، ألهمها الله بالرؤية المباركة التي تثبٌته على جادة الحق ، طريق الامتثال الى عبودية الله الكاملة ، وارجاع كل فضل اليه سبحانه ، فلا رزق الا بمشيئته ولا علم الا باذنه ، ولا رحمة الا منه سبحانه وتعالى ..... نام موسى فشهد خيرا ، كل الخير ، فلم يتركه الله يقع في الخطأ والعجلة ، فلن يضيعه أبدا ، فقد هدى برحمته من قبله ون بعده سائر الأنبياء والمرسلين ، آدم عندما أخطأ وطلب الخلد من غير الله ، ونوح عندما دعا ربه بالعفو على من لا يستحق العفو، وابراهيم عندما سئل ربه كيف يحيي الخلق ويعيد الحياة للموتى ، ويعقوب عندما اصطفى يوسف بحبه ، ويوسف عندما أخذ شقيقه في معيته خلافا لاخوته الذي كادوا له كيدا .... 

سكت شيخنا وترك الجميع ليستوعبوا هذا الفيض الرباني الذي نزل على سيد العلماء ... الكل بدا في حالة من الذهول على تلك البركة التي عمت المكان ، هل هي بركة مقام سيدنا الحسين ؟ أم نعمة المعرفة التي أسبغها على الشيخ ؟ أم بركة المقام والعبد معا ؟؟؟؟ .... توقف النبيل الجميل " محمد الغزالي " عن الكلام وقال بكلمات تقطر حنانا وحبا " سامحوني يأحبائي ، فقد طال الحديث معكم باكثر مما كنت أقصد ، هل محبة فيكم ، أم هي بركة الجوار لسيد شهداء شباب الجنة ، أم هي رسالة أردت منها أن تكون رسالة وداع ؟؟؟؟ أسئلة كثيرة يأحبائي لا أعرف والله ردا عليها ، ومن وموقعي هذا استسمح محبتكم أن تعطوني المزيد من كرمكم ، المزيد من الوقت حتى أبلغ الغاية ويكرمني الله معكم وبدعائكم ... سكت الشيخ وسكتنا ، ومنحنا الشيخ بعض راحه كنا لا نسعى اليها من فيض علم لا يتوقف ولا نريد أن يتوقف ، غير أن المحبة لشيخنا والرفق به صحة وعافية سبقت كل اعتبار ، وبدا الجمع في انتظار رحلة العبد الصالح مع كليم الله .....)
صلاح زكي احمد..... 17=3=2013 .

حديث الروح وخلجات النفس ..... الجزء التاسع :

حديث الروح وخلجات النفس ..... الجزء التاسع : 

( ....أحس الحضور في مجلس الشيخ الجليل ، أنه شارف على الانتهاء مما أراد أن يقول ، فقد بدأ الشيخ " محمد الغزالي " مجلسه بما هو معروف عند الكافة من حديث رسول الله ، عليه الصلاة والسلام ، ذلك الحديث الذي ، يشترط في المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه حتى يصل ايمانه الى صحيح الاسلام وصادق التقوى .... حديث يعرفه الجميع ، غير أنه لا يتوقف عنده الغالبية من الناس ، لا يتوقفون لا بالدرس أو الاعتبار ، فضلا عن التجسيد في حياتنا سلوكا واتباعا .... كم نحن نردد مانعرفه ونحفظه من عظيم المأثور عن رسول الرحمة دون أن نتمثل قوله : أن الاسلام يقوم على قاعدتي اشهار الايمان وصحيح السلوك ....، ودون ذلك تهتز القواعد ولا يكتمل فينا ما بعث به ومن أجله سيد الخلق ، رسالة الرحمة والهداية الى سائر العالمين ؟؟؟ أين نحن من ذلك ؟ بل أين نحن من رجال كانوا بصحبة رسول الله وحوله ، يجسدون الفعل والقول ، ويقرنون الايمان بالسلوك !!!..

كان الشيخ يدرك أن الوصول الى ذلك المستوى من النقاء البشري والصفاء الانساني غاية لا يدركها الا اولي العزم من الناس ، رجالا ونساء ، وفي ضوء ذلك بدا ممسكا بأطراف الحديث ،عاقدا العزم على الانتقال بسامعيه من مستوى البسيط الى المعقد ، من المتاح الى غير المتاح ، من العبد المؤمن العادي الى من وصفهم رسول الله لصحابته بأنهم " أحبائه الذين سيأتون بعده .... وحرص الشيخ على ذكر نص الحديث ومناخه ، فقد ذكر أن النبي كان جالسا وسط صحابته ، ونزلت به لحظة من السكون والهدؤ تتناسب مع مقام النبوة ، وتحدث والدمع يترقرق في عينيه الشريفتين ، قائلا ( واشوقاه لاخواني الذين لم يأتوا بعد ... قالوا : أو لسنا اخوانك يارسول الله ؟؟؟ قال : بل انتم أصحابي!!!: ومن اخوانك يا رسول الله ؟؟ قال : قوم يجيئون في آخر الزمان ، للعامل منهم أجر سبعين منكم !!!,, قالوا : منا أم منهم ؟؟ قال : بل منكم !! قالوا : لماذا ؟؟؟ قال : لأنكم تجدون على الحق مناصرا ولا يجدون على الحق مناصرا...) .... 

حالة من الهدوء والسكون شملت الجميع ، فقد وقع حديث رسول الله على الجمع كانه سحابة خير لم تحمل مطرا لصحراء قاحلة فقط ، بل جاءت بسنا يضئ الافق الملبد بظلمات اليأس وغياهب الضلال ..... الشيخ والحضور ، كأنهم يسمعون وقع كلمات رسول الله عليهم ، وكأنه يحضر مجلسهم ؟؟؟!!! ولم يبدو الأمر خياليا أو ضربا من المحال ، بل بدا واقعيا وباعثا للأمل ونفض التراخي عن العقول والأرواح ، هل فعلنا للخير يماثل في المنزلة والثواب والأجر مايقدمه الواحد من صحابة نبي الرحمة بسبعين درجة ؟؟؟ ..... ولم يترك شيخنا الحاضر بروحه وعقله ، الواحد منا يغرق في مقارناته وتساؤلاته ، اذ تحدث بعد صمت وسكون خلقه حديث المصطفى .... قائلا بكلمات هي الاطمئان والسكينة ..." لا تتعجبوا يأحبائي ... منزلتكم تضارع منزلتهم ، والسبب عليهم وليس عليكم ، معهم النبي الهادي الرشيد .... أنتم من معكم ؟؟؟ ، هم يهديهم النبي الكريم في كل لحظة وحين ، علمٌهم كل شئ من الايمان والتسليم والتوحيد ، حتى مجلس الطعام وتربية الصغار وكيف تكون الحياة كبيرها وصغيرها !!! أنتم من لكم ؟؟ غير المشقة والبحث عن المعرفة واستطلاع كل جديد ، فضلا عن اعمار الأرض بخالص العبادة وصادق العمل ، ومع ذلك كله رفض الخبيث واستجلاب الطيب الذي تاتي به حضارة العصر ، فالخير يتداخل مع ماهو ضار وفاسد ، وعليك وحدك حسن الاختيار ، ولذلك فالثواب عظيم اذا أصبت ، بل أقول لكم ان فرص المغفرة والرحمة لكم أكثر مما اعطيت لمن سبقكم ، فامهات المؤمنين يعطيهم الله من ثواب فعل الخير ما يعطى للكافة لا فرق ولامغالاة رغم مكانتهم وسبق بعضهم في الاسلام عن الكثير من الصحابة ، ولكن ما العقاب المنتظر لهم اذا تنكب احداهن الطريق عن ارادة ورغبة ، حاشا لله ،... العقاب سيكون مضاعفا ، في حين العقاب المرتقب لعامة الناس هو جزاء من جنس العمل ، قدرا وموضعا ولا زيادة . والجواب ياحبائي أن هؤلاء أمهات المؤمنين ، أزواج رسول الله ، وفي أكناف رسول الله ، وأول وآخر من يرى رسول الله في صلاته وتهجده وصيامه وعبادته ومأكله ومشربه ، هم باختصار يلازمون رسول الرحمة ، في بعض ساعات النهار وكل لحظات الليل ، هل يتساوى علمهم ومنزلتهم بمن يروا نبي الاسلام عند كل صلاة جامعة أو مجلس علم من مجالسه ؟؟؟؟ بالعدل الانساني لا تجوز المساواة ، فما بالكم يأحبائي بالعدل الالهي ؟؟؟ 

سكت الجميع وابتسم الجميع بما فيهم شيخنا الجليل ، وأكاد أحس تلك اللحظة التي شملت الحضور رغم غياب السنوات عن تلك الجلسة المباركة ، فقد وجه سيد العلماء ابتسامة رضي لم تفارقة طوال الحديث ، كلما توجه بوجهه النبيل نحوي وتجاه أولادي بالحديث ، الا أن الابتسامة كانت أكثر اشراقا عندما هبطت علينا كلمات رسول الله تلك ...ولعلي لا أتجاوز اذا قلت هبط على شيخنا أيضا في تلك اللحظة هذا الحديث كانه مدد رباني ونور الهي أضاء المكان ، فاليائس والقانط من رحمة الله تكفيه اضاءة ليتبدل حاله من حال الى حال ، من حال الرفض والاكتئاب والاضطراب الى حال السلام النفسي الذي شعرت به في مسجد العبد الزاهد الدكتور " مصطفى محمود " بصحبة النبيل الكريم " محمود المراغي " رحمه الله .... لحظات من الغياب شملتني وأنا انتقل بعقلي الى مسجد هذا العبد الزاهد الذي يبعد عن مقام ومسجد حفيد رسول الله عدة كيلومترات !!!! حتى أنني عدت مع كلمات كريمات يرددها سيد العلماء أكثر من مرة على مسامعي ، كانها حالة استدعاء من السماء اليٌ بالعودة لمجلس العلم الذي يؤمه شيخنا .... 

كانت الكلمات تقول على لسان الشيخ ، وبنبرات من الحب المقطر ..." أحبائي ...وعدتكم بالحديث عن أولياء الله الصالحين الذين لهم منزلة تلامس منزلة الأنبياء ولكنهم ليسوا باصحاب رسالة ، وعدتكم بالحديث عن العبد الصالح الذي صاحب سيدنا موسى في رحلة البحث عن ما وراء المعرفة ، وعدتكم بالكلام عن ذلك العبد الصالح الذي كان في مجلس نبي الله سليمان ، ووجه اليه هذا النبي الكريم طلبا وهو جالس ضمن الجمع من الملأ ، أي خاصة مستشاريه ليفك له عقدة ويهديه الى حل لمعضلة !!!! سكت الشيخ وقال أنني على الوعد ولن أحيد..... ثم سكت وابتسم ....أأتركم يأحبائي بعد أن بشركم سيد الخلق بثواب يعلو على ذلك الموعود به صحابته ... والله لايكون !!!! سأكون معكم باذن الله حتى نبلغ الطريق ونمسك بخيط الهداية ونكون من العابدين الشاكرين ..... ثم سكت الشيخ النبيل ثوان معدودات ... وقال " بسم الله الرحمن الرحيم ... قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى " صدق اله العظيم ... 

بعدها نظر الشيخ وقال لواحد قريب منه ، اعطني قليل من الماء قليل من التمر ، داعيا الحضور مشاركته طعامه ، وكان بفضل الله وفيرا ... قائلا وهو يشير الى صاحبه " ابننا صالح أعطاني الماء والتمر ، أما أنتم فاعطوني بعض الراحة ّ!!!! 
غير ان المفاجاءة التي عقدت لساني أن " صالح " هذا هو صديق العمر الذي لم أراه طوال سنوات الغياب ، وحتى لم أراه طوال جلستنا حول الشيخ " محمد الغزالي " وكأنه وصل للتو !!!! ..غير انه أخبرني بعد ذلك أنه كان من أول الحضور ، وأن بصره لم يفارق مجلسنا هذا ... حيث كان يتطلع الى الشيخ أحيانا والنظر اليٌ والى أولادي أحيانا أخرى ..... وعندما سمعت منه هذا القول لم أتكرم عليه بكلمة واحدة سوى ...." انها بركات الشيخ ، انها بركات الشيخ ... " ؟؟؟ فلم أسمع من صديق العمر، ردا سوى ترديد تلك الآية المباركة من سورة النمل التي القاها على مسامعنا للتو سيد العلماء ..." قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى " صدق الله العظيم .....) 

صلاح زكي احمد ... 5=3= 2013

حديث الروح وخلجات النفس ...... الجزء الثامن :

حديث الروح وخلجات النفس ...... الجزء الثامن :

في حضرة العلماء من ذلك الطراز الذي ينتمي اليه الشيخ " محمد الغزالي " وهم بحمد الله كثر، يبدو الوقت مباركا قياسا لما يقال فيه من صحيح العلم وغزير المعرفة ، فالعلم الذي أنعم الله به على هؤلاء ، يبدو مباركا لأكثر من سبب ، ألأول ، أنه لا يقصد منه غير وجه الله ، حبا في ذاته العلية لا بحثاعن مغنم أو تأكيدا لجاه ، أو ارساء لسلطان فهؤلا عندهم كل مظاهر الدنيا " عرض زائل " ، أما السبب الثاني ، أن الله منحهم فضل القبول من الخلق ، سواء من استمعوا اليهم مباشرة أو قرأوا لهم ما خطته أيديهم الكريمة وعلمهم الغزير ، وياتي السبب الثالث ، ويتعلق بتلك الحفنة الطيبة من عموم الناس التي أحبت العلم وسعت الى المزيد من المعرفة لوجه الله ومحبة لناقلي الخير، وهؤلاء يقاس عندهم قيمة الوقت بقدرما يمن الله عليهم باشراقات الهداية ويجدون في العلم السبيل ...

المهم ترك شيخنا الجليل سامعيه على أبواب سؤال ، طرحه على مسامعهم ، ويقول نصا " أحبائي ... هل تعرفون من هم في منزلة تلامس منزلة الأنبياء ولكن ليسوا بأنبياء ؟؟؟ .... على عادته لم ينتظر الشيخ جوابا من حوارييه وخلصاءه من المحبين ، الآ انه بادرهم بما تصور أنه يعرفوه ، وبالقطع ومن مستوى الحديث الذي بدأه الشيح يدرك انهم يعرفوه ، ذلك الحديث الشريف الذي يقول فيه المصطفى ( من عادى لي وليا ، فقد اذنته بالحرب ، وما تقرب الي عبدي بشيئ أحب ءالي مما افترضت عليه ، وما زال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه ، فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وان سألني أعطيته ، ولئن استعاذني لا عيذنه ) صدق رسول الله .... 

ولا يضاح ما ذكره الشيخ الجليل من هذا الحديث هي التذكرة ، بان ثمة نوع من البشر هو ما أسماهم " خلاصة الخلاصة ، وخاصة الخاصة " الذين أحبهم الله فأعطاهم ما لم يعطى لأحد من العالمين ، فهم أولياء الله الصالحين الذي أذنٌ الرحمن بحرب من يعاديهم ويناصبهم الغدر والخيانة وغريب السلوك ، بل أن تلك النعمة أعطيت لبعض ممن أصطفاهم الله ووضع على عاتقهم عبء الرسالة ومشقة النبوة ، ومنهم رسولنا الكريم عليه وعلى أهله أفضل وأتم الصلوات ... وهنا توقف الشيخ ليعطي الدليل والبرهان على ما ساقه من استخلاص ، فقد ذكرٌ الجمع بتلك الكلمات الشريفات التى قالها سيد الخلق في أعقاب تلك الخطبة التي القاها خلال حجة الوداع وهو على صعيد عرفة الطاهر ....( من كنت وليه ف " علي " وليه ، ومن يعاديه عاداني ) والمقصود هنا الامام " علي بن أبي طالب " كرم الله وجهه .... والولاية في ضوء ذلك تنصرف الى أكثر من معنى ، هي المقدرة على امتلاك كرمات ونعم من العلي القادر الحكيم لم يعطيها لسائر البشروعموم الناس ، وأيضا بمعني الحكم والرئاسة والزعامة والخلافة ، ومن الممكن أن تكون معا ، أي الجمع مابين الاثنتين ، أي النبوة والبركات ،على نحو ما استجاب الله عز وجلٌ للنبي " داود وابنه سليمان " الذي منحهم من خشوع النبوة وعظيم الملك ما لم يعطى لأحد من عباده المؤمنين ( ولقد آتينا داود وسليمان علما ، وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) صدق الله العظيم .... 
توقف الشيخ الجليل عن الكلام لبضع وقت لم يطول ، قائلا وبلهجة باسمة وكلمات حانية : تلك الآية من سورة النمل ، ولنا باذن الله عندها وقفة في نهاية حديثي ، أقصد بعض مواضع من تلك السورة الكريمة ، لكنني أعود الى موضوعي ، وهو ما يخص الولاية التي أقصد الحديث عنها ، وأعني بها وضوحا ، تلك النعم والقدرة والفعل التي يختص بها الله بعض من عباده ، ولي على هذا الصعيد قليل من الأمثلة سوف أختار منهم أثنين ، الأول : هو مايتعلق بذلك العبد الصالح الذي جاء القرأن الكريم على سيرته مع سيدنا موسى عليه السلام في سورة الكهف ، والثاني ، ذلك العبد الصالح الذي عنده علم من الكتاب ، وحكايته مع النبي سليمان عليه السلام في سورة النمل .... 

استعد الحضور لسماع عظيم الكلام وبغية الساعي الى العلم والاستزادة منه ،....... ف " سورة الكهف " لها منزلة وأي منزلة عند عموم الناس وخاصتهم ، فهي الملازمة لهم عند صلاة كل جمعة ، وبركاتها تزيد عن الحصر وتفيض ،وتجمع من الصور الانسانية ما يثبت في الذاكرة ولا يغيب ، في مفتتحها قصة أهل الكهف من هؤلا الفتية الذين فروا بدينهم من وجه الحاكم الكافر الظالم ، وقصة الجنتين التي يتراوح مصيرها بين أخ مؤمن وشقيقه الجاحد بنعم الله ، ثم تأتي قصة العبد الصالح مع موسى عليه الصلاة والسلام ،ثم تختتم بقصة ذي القرنين ، أما سورة النمل ، فقد جاء في ثناياها وبين آياتها الكريمات ، أول آية في القرآن الكريم وهي " بسم الله الرحمن الرحيم " التي لم تذكر في مطلع سورة التوبة ، كسائر سور القرآن الكريم البالغة مائة وأربعة عشر، حيث يقول المولى عز وجل ( قالت يأيها الملأ ءاني ألقي اليٌ كتاب كريم ، ءانه من سليمان وءانه بسم الله الرحمن الرحيم ) صدق الله العظيم ، والمقصود في لفظ الاشارة " قالت يأيها الملأ هي " بلقيس " ملكة سبأ في عصر سليمان عليه السلام ، وبذلك يكتمل عدد تلك الآية " بسم الله الرحمن الرحيم " الى مائة وأربعة عشر لكي تماثل عدد سور الكتاب الحكيم ، وبجانب ذلك ضمت بفضل من الله ، قصص للدرس والاعتبار، فهي تبدأ ب " موسى " وقومه ثم " داود وسليمان " وتتبعها قصة نبي الله صالح ،سلام الله عليه ومعجزته ثم تعرج على قصة نبي الله " لوط " .... 

توقف سيد العلماء لكي يرتشف بضع قطرات من الماء ، حتى أنني أشفقت عليه من مواصلة الحديث على هذا النحو دون توقف ، غير أنه بنعمة ربانية بدا في غاية النشاط والوضوح الذهني والمعرفي ، كان أشبه بالمقاتل في ميدان الحق ، وهو بالمناسبة له كتاب يحمل اسما قريبا من هذا هو " قذائف الحق " وأتبعه بشقيق بث فيه متاعبه في مجال الدعوة اختار له اسما هو " هموم داعية " ... المهم واصل الشيخ تجليات الاشراق ، وحاول أن يقترب من النماذج التي وعدنا بالحديث عنها من أولياء الله الصالحين ، الا أنه عاد الى سورة النمل ، ليخبرنا أن الله بعد أن أطلعنا على مسيرة وسيرة هؤلا الأولين من الرسل مع أقوامهم الغابرين ليقارن بينهم وبين كفار مكة ومشركيها والى أي مصير سوف ينقلبون ، عاد وقال ، " ان رحمة الله جعلت ختام تلك السورة الكريمة هي الطواف في عظيم صنعة الخالق التي تغور في حكمة الخلق والكون وتصل الى حدود النفس البشرية وما تعتورها من تقلبات وصور ، راجعا وقت الساعة وعلم الغيب له وحده ، علا شأنه وعز مقامه " .... الا أن الشيخ " محمد الغزالي " وبانتقاء مدروس أراد أن يختم كلامه من سورة النمل بتلك الآية المعجزة ، وكأنه أراد أيضا أن يمهد بما فتحه الله عليه وعلينا ، قال " بسم الله الرحمن الرحيم .... قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى " صدق الله العظيم ....)...... سكت الشيخ الجليل ، وبدا الجمع في الانتظار ، والاستزادة من عظيم القول وجميل الدرس والحكمة المهداة ....

صلاح زكي أحمد ..... 4=3= 2013 .

حديث الروح وخلجات النفس ..... الجزء السابع :

حديث الروح وخلجات النفس ..... الجزء السابع :

( بعد أن ألقى الشيخ " محمد الغزالي " على سامعيه والمتحلقين حوله في مسجد حفيد رسول الله ، ذلك الحديث الشريف الذي يعتبره مقياسا لمقام وقيمة النفس التى أودعها الله تعالى في ذرية آدم عليه السلام ، والذي يقول بنص كلمات رسول الله " لايؤمن أحدكم ، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " أمعن الشيخ النظر في من حوله ، مستطلعا استقبالهم لكلماته .... ففي ضوء اختيار الانسان لما هو مخير فيه تتحدد منزلته ويعرف الى أي مصير ينتظره وياؤول اليه ، هل هو من البشرية عامة أم من الانسانية خاصة ؟؟؟؟ ، فقد ألمح الشيخ بان ثمة فرق كبير بين أن تكون ، ابن الطبيعة البشرية أو واحد ممن ينتمون الى الانسانية ، فالاولى هي الأثرة والأنانية والامتلاك والاكتناز ، فيما الثانية ، هي العطاء والوفاء والنقاء ومن هم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصا .... 

تطلع شيخنا ممهدا لكمال حديثه بكمال المثل الذي يريد أن يكون واضحا عند سامعيه ، وعادة ماكان الشيخ يأخذ بمنهج مزج الفكرة بالنموذج ، التنظير بالتطبيق ، لكي يستقر المعنى في الأرواح قبل الأذهان ..... سكت برهة ثم قال : أحبائي هل تذكرون كيف ساوى الرسول " محمد " عليه الصلاة والسلام ، بين أهل المدينة من الأنصار ، فقراء وميسوري الحال ، وبين المهاجرين القادمين من مكة فارين بدينهم ومستنجدين بنصرتهم ؟؟؟،،،، المساواة بلغت حدا لم تبلغه أعتى النظم وأشدها عدلا , نموذج ومثال لم نعرف له في التاريخ مثيلا ولا قرينا ، فقد قام على قاعدتي التقوى والمحبة ، أي صحيح الايمان ، أذ شارك الجميع في ارساء دولة العدل ، ولم يعد هناك فرق بين وافد ومقيم ، فجميعهم أمام الله سواء ، هؤلاء يأحبائي من خرج منهم وبعد حين من يصفهم الله تعالى في محكم أياته " ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ولكي يضع الشيخ الجليل ، تلك الآية المباركة في موضعها من الايضاح والتفسير لجأ الى حديث عن الخليفة العادل " عمر بن الخطاب " ناقلا اياه عن حبيبه رسول الله ، ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ان من عباد الله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء ، تغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله تعالى ) قيل : يارسول الله : خبرنا من هم وما أعمالهم فلعلنا نحبهم ، قال : هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطون بها ، فوالله ان وجوهم لنور وانهم على منابر من نور لا يخافون اذا خاف الناس ولا يحزنون اذا حزن الناس ثم قرأ : ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ..... سكت الشيخ " محمد الغزالي " وكانه بلغ مبلغه ووصل غايته من الايضاح ، غير أنه حاول أن تكون المعاني مستقرة عند مستمعيه ، فقد أضاف للمعنى الوارد في حديث رسول الله ما يقرب النموذج والمثال ، فقال " تلاحظون في هذا الحديث ثلاثة مستويات يكمل بعضها بعض ، الأول : أن هؤلاء الناس التقوا على محبة الله بغير مصلحة ولا عصبية رحم أو صلة قرابه ، المستوى الثاني ، أن هيئتهم ووجوهم وسمتهم من نور ، ويرتقون في الحياة على منابر من نور ، مما يعني أن كلماتهم وسلوكهم هو الهداية ذاتها ولا تثريب " تم توقف الشيخ ليأخذ بعض من قطرات الماء ليكمل به حديثه الموعود بالفتح الرباني ، وسط حضور لا يشغله شئ مما يدور خارج جدران مسجد حفيد رسول الله ، فالملائكة الحاضرين مجلس العلم هذا يدركون كم هي نعمة تلك التي اختصها بها الله هذا الجمع من الناس ...

المهم استكمل الشيخ حديثه ، قائلا : توقفنا يأحبائي عند المستوى الثالث من حديث سيد الخلق ، أقول لكم " اذا كان المستوى الأول هم أن محبة الله هي العروة الوثقى لهؤلاء الأتقياء الصالحين ، والمستوى الثاني ، أن هيئتهم وسلوكهم من نور، فان المستوى الثالث هو ما يتعلق بذلك الجزء المنتظرمن مسيرة العمل الصالح وسلوك طريق الحق وان قلٌ سالكيه ، فهم لا يخشون ولا يخافون شيئا في حياتهم الدنيا ، أما الآخرة فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فهم في نعمة ونعم المنزلة ،فكيف يحزنون ، هم أصحاب النفس المطمئنة التي ترجع الى ربها راضية مرضية بعد أن تدخل في عباده ، وهنا ألقى الشيخ على من أحاط به وأطلق السمع خاضعا لما يقول ، تلك الآية الكريمة التي يعد الله عز وجٌل بها عباده الخاشعين الصالحين بنعيم جنته " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " صدق الله العظيم .....

وبعد قليل من الصمت واستطلاع من الشيخ لمعرفة مدى ما وصله الحضور من الاستيعاب والتسليم ، قال الشيخ طارحا على الجمع سؤالا ، ولأنه من العلماء الأتقياء لم يجعل سؤاله اختبارا او امتحانا ، ... قال ، تعرفون جميعا الفرق بين عباد الله وعبيد الله ؟؟؟؟ ... لم يترك سيد العلماء فرصة للاختيار لمن يستمع اليه ، فلا يريد أن يضعهم موضع تجربة ،حيث سارع بالاجابة على سؤاله " كلنا يأحبائي عبيد الله ، ولكن ليس كلنا عباد الله ، عبيد الله هم كل الخلق المؤمن والكافر ، أما عباد الله فهم المؤمنون الموحدون الخاشعون العابدون ... الا أنهم درجات ، فمنهم من هو جالس بيننا ومنهم من ندعو له بالصلاح وحسن المآل ، وغيرهم اختصهم الله برحمته ، وكثير منهم يعيش على الخير ويموت عليه ، لكن من ضمن هؤلاء خاصة الخاصة ، الذين لا نعرفهم ولا هم يعرفون حجم ومقدار النعمة التي يرفلون فيها ، خشية في الله ومحبة في الخالق والا خرجوا عن طبيعتهم البشرية والانسانية معا ؟؟؟ ...، هم من أعطى الله لهم بعض من مفايتح علمه اللدني ، هم من ذكرهم القرآن الكريم في محكم آياته ، هم في منزلة تلامس بركة الأنبياء ومنزلتهم ، لكنهم ليسوا بانبياء ولا أصحاب رسالة ، هم نور هداية ومصابيح ضوء نبدد بها ظلمة الغفلة ونمحو بها عواصف الغرور ، وتعود بها النفس القلقة واللاوامة الى سابق عهدها التي فطر الله الخلق عليها ، تلك التي أسماها رسولنا الهادي الرشيد " الفطرة السمحاء " التي عليها نبعث اذا كنا أصحاب هداية أو لم نلامس الذنوب ما ظهر منها وما بطن ؟؟؟!!! 

سكت شيخنا فجأة وكأنه يحضر لما هو أهم في حديثه المختار ....بادئا ما عزم على الحديث فيه بسؤال بعد ثوان من الصمت قائلا ،" أحبائي هل تعرفون من هم في منزلة تلامس منزلة الأنبياء ، ولكن ليسوا بأنبياء ؟؟؟؟ 
بدا الحضور وفي ضوء تجاربهم مع الشيخ في طريقة طرح الاسئلة وقيامه بالاجابة عليها ، أصحاب مدرسة " اذا كان الكلام من فضة ، فالسكوت من ذهب " .....ونحن ورغم أننا من أصحاب تلك المدرسة في حضرة سيد العلماء ،الا أننا أيضا من أتباع رسول الله الداعي على صعيد العلم " بأن نأخذ منه من المهد الى اللحد " بل نذهب اليه حتى لو "كان في الصين " ؟؟؟!!!

صلاح زكي أحمد .... 3=3=2013 

حديث الروح وخلجات النفس ..... الجزء السادس :

حديث الروح وخلجات النفس ..... الجزء السادس :

( في أجواء انسانية صافية ، وعبق روحي يشمل الجميع في مسجد حفيد رسول الله ، بدا الشيخ الجليل ، وسيد العلماء حديثه ، ممهدا يالصلاة على النبي المختار عليه أفضل وأتم السلام ، غير أنه ولخبرة ضافية في التعامل مع عموم الناس وخاصتهم فضٌل أن يكون الحديث صاحب عمق فكري وبعد ثقافي يشمل جوانب لم يألفها من يستمع اليه في مسجد " عمرو بن العاص " ذلك المسجد الجامع الأول في تاريخ مصر الاسلامية ، غير أن الذاكرة تدفعني الى تذكر واقعة عن الشيخ " محمد الغزالي " ندرك منها قيمة هذا العبد الزاهد ، الواصل باذن الله ، الى بعض من رحمته وفضل من علمه اللدني .... 

تقول الحكاية ، أن الرجل عند نهاية عقد الستينيات ، وكان مسئولا عن ادارة الوعظ في وزارة الأوقاف أن كلف بخطبة الجمعة الاسبوعية في مسجد هذا الصحابي الفاتح الجليل ، الا أنه وبسبب محبة جارفة لبيت رسول الله وأهله لم ينسى ل " عمرو بن العاص " ذلك الموقف الذي أخذه أثناء ما يعرف بالفتنة الكبرى ومحنة التحكيم ، حيث أتخذ موقفا رآه الشيخ انحيازا للظلم ومجافاة للحق ، مما رتب عليه شيخنا الجليل موقفا يتلخص في رفض الخطابة في مسجد " عمرو " ضاربا بعرض الحائط كافة الطلبات وكثير من الضغوط ، فالرجل رغم هدوئه الشديد ووداعة النفس التي يضارع بها كثير من أقرانه العلماء ، كان يبدو حاسما وقاطعا في قضايا الحق ولا يخشى على هذا الصعيد لومة لائم .... 

المهم في ذات صباح ، دعاه عالم كبير وعلم في مجال الدعوة لله لايشق له غبار، فضلا عن فيض من المحبة والتقدير عند العامة من الناس وغالبية أبناء مدرسة الأزهر العريقة العتيقة ، اذ تلقى اتصالا تليفونيا من فضيلة الشيخ " احمد حسن الباقوري " أول وزراء الأوقاف في عهد ثورة يوليو 1952 ، وما ان حط الشيخ " محمد الغزالي " في ضيافة صديقة الجليل ، وبعد تمهيد من حلو الكلام وجميل الحديث ... قال المضيف لضيفه ما يثير العجب ، فهؤلاء الناس كانوا صفوة في النقاء والصدق لا يبارى ولا مثيل له الا القيل النادر ، قال له " شيخ محمد ... أيها الصديق الطيب لماذ تغضب صاحبنا عمرو ؟؟؟؟ " رد عليه الشيخ " الغزالي بالسؤال .... عمرو من ؟؟؟ ماذا تقصد ؟؟؟ فقال له الشخ الباقوري ... ومن غيره ، عمرو بن العاص !!!!؟؟؟....
يقسم الشيخ محمد الغزالي في أحدى كتبه أن موقفه من هذا الصحابي الجليل وأسباب رفضه الخطابه في مسجده لم يطلع عليه أحد كائنا من كان ، وظل هذا الموقف بل قل هذا السر طي الكتمان ، بل طي طويته !!!! ..... المهم ذهل الشيخ الغزالي مما سمعه من صديقه الكبير ووجه له سؤال ، لماذا هو غاضب مني ؟؟؟ قال له : الشيخ " الباقوري" لقد زارني في المنام ، طالبا مني أن ينقل اليك تلك الرسالة ... أن تخطب في مسجده ، أن تعتلي منبر رسول الله وتخاطب الناس بخلقك الحسن وغزير علمك "..... ثم سكت الشيخ الباقوري لبضع ثوان تاركا اياها لاستيعاب الشخ الغزالي دهشته وعجبه ، غير أنه لم يتركه كثيرا في تلك الحالة ، حيث أردف بالقول " أما زعلك من عمرو بن العاص ، بسبب ماحدث خلال محنة الفتنة الكبرى ، فيطلب منك تركها لله ليحكم فيها ويفصل بين أطرافها بحسبانهم جميعا من صحابة رسول الله الذي يقول عنهم صلى الله عليه وسلم " اذا تحدثتم عن صحابتي فحاذروا ، فانهم بين يدي الله " .... سكت الشيح " محمد الغزالي " ولم يعقب ، غير أنه منح صديقه الكبير القديم وعدا بالوفاء ، والذهاب الى مسجد " عمرو " ليخاطب الناس كما طلب الصحابي الجليل بغزير علمه وخلقه الحسن ...

تلك الواقعة الربانية كنت أعرفها عن شيخنا الجليل مما قرأته وعرفت الكثير عنه ، ولذلك كان وجوده في مسجد الامام الحسين ، نعمة من الله وفضل لا يعادله فضل في تلك الساعة ، فالشيخ "الغزالي" ظل ملازما وملتزما بخطبة كل يوم جمعة في مسجد "عمرو بن العاص " لسنوات طوال وفاء لوعد قطعه على نفسه للصحابي الكبير وصديقه الجليل ، لم ينقطع عنه سوى لبضع وقت ، قد يقدر بالشهور أو السنوات ، خلال النصف الثاني من عقد السبعينيات من القرن الماضي عندما طال نقده السياسي بعض أحوال الوطن آنذاك ...

المهم تحدث الشيخ بكلمات عربية فصيحة وأثرة لا ينافسها جمالا سوى صوت هادئ عميق مترع بالايمان ومشفوعا بالمحبة لمن يحيط به ويجلس في مجلسه الذي تحفه باذن الله الكثير من الملائكة ، افتتح الكلام بحديث عن رسول الله لم يقع عند غالبية السامعين الطيبين موقع الدهشة والجديد ...قال الشيخ الغزالي " جميعكم تعرفون الحديث الذي يقول فيه المصطفي الآمين ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لآخيه ما يحب لنفسه ) ..... بعدها سكت الشيخ كانه يتفحص وجوه المريدين والأحباب الجالسين مجلسه ،قائلا : أراكم تعرفون هذا الحديث أو قل أن غالبيتكم تسمعون عنه ، غير أن ما أقوله تفسيرا هو الجديد باذن الله ، فهو يضع مقياسا للفداء والتضحية لم يبلغها أحد الا اذا كان من أصفياء الله المخلصين وعباده الذين تركوا الدنيا غير عابئين ، فمن منكم يحب لآخيه ما يحب لنفسه ، وحاول ان يقدم الشيخ مايقدم من أمثلة على صحة مايقول ، قائلا " اذا اتيح لأحدكم فرصة عمل بعد شهور من التعطل ووقف الحال ، وتقدمت أنت وأحد اشقائك أو أصدقائك الأقربين الى ذلك العمل وتساوت الشروط وعوامل الكفاءة بينك وبينه ، هل تحب أن يقع عليك الاختيار أم على شقيقك وصاحبك ؟؟؟؟ الجميع سيقول : بالقطع أرغب في الحصول على تلك الفرصة ولا جدال ، واذا تماثل ذاك الموقف مع ابني وابن شقيقي ، فان الرغبة والمحاولة بل والفرصة أختصها لابني ولا تردد ؟؟؟ّ تلك يأعزائي هي الطبيعة البشرية وليست الطبيعة الانسانية والفرق بينهما كبير ... سكت الشيخ برهة من الوقت وقال : الأولى هي الاختيار والانحياز لنفسي وأولادي ولامعقب ، هي الانانية والأثرة والاكتناز والامتلاك ، أما الثانية فهي ترك الامور الى مدبر كل أمر عسير أويسير ، والدعاء الى صاحب النصيب بالتوفيق وسلامة القصد ونجاح السبيل ... موقف صعب يأحبائي كما ترون ، فمن يختار الخير يعده رسول الله باكتمال الايمان ، فيظل اسلامه غير منقوص ، أما من تنكب الطريق فعليه منا بالدعاء بالهداية وصالح الأعمال فالمؤمن لا ينبغي أن يعرف اليأس طريقا الى قلبه ، والا كان ضعيف الايمان قليل الثقة في الاسلام ، وهذا لايجوز .... سكت الشيخ الجليل ، استعدادا لدخول ما نعتبره فتحا من لدن العزيز الكريم ، وكأن الشيخ بلسانه ناقلا ما يعتمل غند من نحتسبهم عند الله من " أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون " ...)

صلاح زكي أحمد .... 28= 2= 2013 .

حديث الروح وخلجات النفس .... الجزء الخامس :

حديث الروح وخلجات النفس .... الجزء الخامس : 

( للقاهرة القديمة ، أو ما يعرف عند أولاد البلد بمصر القديمة سحرها الانساني والنفسي الذي تزداد تاثيراته عند كل من تابع تاريخ تلك المدينة العريقة طوال عصور متعاقبة ، بدأت عمليا مع دخول الاسلام مع جيش "عمرو بن العاص " رضي الله عنه ، ولم تتوقف تقريبا الا عند العقد الخامس من القرن الماضي ، حيث ضاقت المدينة القديمة بسكانها ، وبدأ الكثير من الناس يبحثون عن ضواحي جديدة لاعمارها والسكن فيها ، وكانت ضاحيتي " حلوان ومصر الجديدة " أهم تلك المناطق التي قصدها عشرات الآلآف من الوافدين الجدد ....

غير أن المنطقة الكائتة في قلب مصر القديمة ، وتحديدا تلك التي تحظى باحتضان الجامع الأزهر ومسجد "الامام الحسين"، رضي الله عنه وأرضاه ، هي درة التاج وبيت القصيد على نحو ما يقول أهل الصوفية في مصر أو غيرها عند اشارتهم الى المعنى الأهم أو ذروة العطاء الطيب الزاهد الباعث لكل عطاء ...

تلك المعاني تجسدت عندي دفعة واحدة ، فقد تصادف خروجي أنا وأبنائي من الجامع الأزهر متوجهين الى مسجد حفيد رسول الله ، لحظة رفع أذان العشاء ، وبدا المشهد جليلا ومؤثرا لكل من مسٌ قلبه أي درجة من الايمان والتسليم ، فقد بدأ الأذان من حيث كنا ...ب " الله أكبر الله أكبر " وبعدها بثوان قليلة يأتي الرد من مسجد الامام الحسين ... يردد نفس الكلمات " الله اكبر ، الله أكبر " ثم نسمع "لا اله الا الله " تصدح من الأزهر ، " فيأتي الاستكمال والكمال من حيث يسجى رأس " الامام الشهيد " .... وهكذا لا تقاطع ولا تضارب ولا ضجيج ولا فوضى ، بل حالة من الوجد الصوفي يصل عند البعض الى ما يشبه الحوار بين الأرض والسماء ، ولاتعرف أيهما يمثل الأرض وأيهما يجسد السماء ، وعليك أنت وحدك أن تحدد أي المسجدين الجليلين يمثل ما تراه ، غير أنك تتلبسك بالقطع حالة انسانية نادرة لا تلمسها ودون أي قدر من المبالغة ، قريبة من تلك التي تعيشها عندما تعيش في أجواء الحرم المكي ومسجد رسول الله .... 

ولذلك لا تدهش .... بأن تلك المنطقة تترك روحها في قلب كل من أحبها ، ويصل به الوجد حد العشق ، نسمع عن تلك الحالة التي لازمت العارف ب " الله" الشيخ "محمد متولي الشعراوي " والعبد الزاهد " مصطفى محمود " والنبيل الجميل " نجيب محفوظ " والصوفي العابد " عبد الحليم محمود " والنغم الخالد " محمد عبد الوهاب" والأديب المدقق" جمال الغيطاني "..... وغيرهم كثير كثير .... أسماء متعددة وعوالم من الفن والابداع والاخلاص والتبتل والتنسك والزهد تطول بها القائمة ويزدحم بها كل محب ، فكل هؤلاء من نعرف منهم ومن لا نعرف تلبسته تلك الحالة من الفيض الالهي والفيض النوراني ، ومن لا يستطع أن يقيم مقام الجوار بالمكان ، فقد شملته حالة الحب نفسها حتى لو كان بعيدا ، وكلنا نتذكر ذلك المشهد الخالد الذي كثفه الرائع" نجيب محفوظ " في ثلاثيته : " بين القصرين وقصر الشوق والسكرية " ، والتي ضمت بطل العمل الروائي " السيد احمد عبد الجواد " وزوجته " أمينة " التي كسرت كل القيود والحواجز الرهيبة التي حبسها فيها "السيد أحمد " عندما دعاها " الحسين " فما كان عليها أن تلبي النداء ، غير عابئة بعواقب الامور ؟؟؟؟!!!!

في هذا المكان البهيج وفي تلك البقعة الطاهرة التي تضم الجامع الأزهر ويقابله وعلى بعد عشرات الأمتار المسجد الحسيني ، وصلنا الى مرقد حفيد رسول الله ، قاصدين ساحة المسجد أولا حيث الصلاة ، مرجئين زيارة المقام بعد أداء الفريضة ، غير أننا فوجئنا بما لا نتوقعه ، فقد تجمع وتحلق عدد كبير من المصلين العابدين حول العالم الجليل ، المتواضع الزاهد ، الشيخ "محمد الغزالي".... فقد دهشت من تلك الترتيبات التي أكرمنا بها الله !!!!... كل هذا الكرم في يوم واحد ،... زيارة ضريح العبد المؤمن " جمال عبد الناصر" ثم الاستمتاع بالصلاة في رحاب الجامع الأزهر ، ثم زيارة مقام سيد شهداء شباب الجنة ، وبعد ذلك نستهل المقام العابر والزائر لأمثالنا بلقاء سيد العلماء الذي نحسبه عند الله وكل من يماثله مقامات علم وهداية ، .... أليسوا هم الذين تكرم رسولنا الكريم بوصفهم " أنهم ورثة الأنبياء " .... جلسنا بالقرب من الشيخ الجليل ، الذي القى بنظرة كريمة الينا ، فلم يفتتح بعده مجلسه الذي تحفه باذن الملائكة ...

كان قد صدر في نفس الفترة كتابين للشيخ " محمد الغزالي " الذي اقتربت مؤلفاته الى نحو ستين كتابا ... كتابين ، أحسبهما أهم ماكتب شيخنا الجليل ، أولهما كتاب " نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم " وكتابه " السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث " فالأول يعالج القضايا المحورية في كتاب الله ، اذ أتى بفتح من الله على كل سور الكتاب العظيم عارضا لكل أية وسورة بعظيم التفسير المكثف والذي لايخلو في كل حرف من بساطة في المعنى ووضوح في الفهم والدلالة والاشارة ، ولآهمية الكتاب ، وبحس العالم المدقق ، فقد سبق كتابه هذا كتابا مميزا وتمهيديا ، حمل عنوانا لا فتا هو " المحاور الخمسة للقرآن الكريم " ... أما الكتاب الثاني " السنة النبوية ...." فهو الكتاب العملي والتطبيقي لكتابه الأول ، فقد أثار الرجل وبجرأة لا يملكها سواه من " أولي العزم " عشرات القضايا العملية التي يعيشها المسلم وتعاني منها أمة الاسلام ، كتاب قابله العارفين أصحاب فكر التجديد بكل ترحاب وتكريم ، فيما حشد له أصحاب الرؤية القاصرة والفهم المحدود بوافر من سوء الظن ورخيص الكلام !!!! ... كتاب أظنه واحد من أهم ما كتب في القرن العشرين على صعيد الدعوة الاسلامية بعد اجتهادات الامام العظيم " محمد عبده " استاذ الجميع ومؤسس مدرسة التفكير والتجديد بعد الأئمة التسعة الكبار ، ابي حنيفة والشافعي ومالك وغيرهم ...

بدأ الشيخ الجليل الحديث ، ونحن بجانبه
نسعد بكرم القرب ومحبة الجوار ، وبعد أن افتتح مجلسة بالصلاة والسلام على خير الأنام والدعاء بالرحمة والمغفرة وكريم المنزلة لصاحب المقام ، مٌهد لمقاله وعظيم كلامه ، بحديث المصطفى عليه أفضل الصلوات والسلام ، حديث أحسبه لا نظير له في عالم الفكر ودنيا الفداء وجميل السلوك ، وأن تكون به أذا ما تمثلته وتعايشت معه .. " باذن الله مع أهل الجنة شاكر ومقيم " 

صلاح زكي أحمد .... 26=2= 2013 

حديث الروح وخلجات النفس .... الجزء الرابع :

حديث الروح وخلجات النفس .... الجزء الرابع :

( رغم سنوات الغياب عن مصر التي طالت ، وتبدلت خلالها أشياء وبقي القليل لم تصبه تلك السنة الالهية ، حرصت على عدة أشياء أقرب الى التقليد أو النسك ، منها حرصي على زيارة عدد محدود من بيوت الله ، وخاصة في القاهرة ، والسير في شوارع المدينة العريقة والتمعن في جمال مبانيها وخاصة تلك المحاصرة بين ميدان التحرير وميداني العتبة / " الاوبرا " ورمسيس والتوقف عند كثير من مكتباتها وبعض متاحفها ، الا أنني كنت حريصا دوما على زيارة قبري سيدنا "الامام الحسين " رضي الله عنه وأرضاه وضريح الرئيس "جمال عبد الناصر " في منطقة منشية البكري ... حيث كنت ولا زلت أجد ثمة علاقة قوية بين الامام والرئيس ، وهو ما كشفت عنه الوثائق والرويات والكتب ذات الطابع الانساني بعد مغادرة الرئيس لدنيانا ، فقد جاءت شهادات كثيرة ومتعددة على قيام " ناصر " بزيارات ليليلة وقبل صلاة الفجر لمسجد الامام الحسين وقراءة الفاتحة والصلاة في رحابه والتنسك بالقرب من مقامه ، بل أن عدد من المعاصرين يضيفون الى زيارة مسجد الامام ، مسجدي السيدة " زينب " الشقيقة الكبيرة للامام والكائن في الحي الذي يحمل اسمها الطاهر في قلب القاهرة وغير بعيد من مقام شقيقها الحبيب ،فضلا عن حرص الرئيس على زيارة مسجد الامام العارف بالله سيدي " السيد البدوي " الكائن في قلب طنطا عاصمة محافظة الغربية ، وان كان دون انتظام يماثل ذلك المتبع مع مسجد سيدنا الامام الحسين ....

المهم ... في زيارة من تلك الزيارات السنوية الى" قاهرة المعز" كان معي كل أبنائي ، وحرصت حينها على صحبتهم لي في ذلك التقليد الموصوف مني بالنسك ، فقد افتتحنا المسير بزيارة ضريح الرئيس " جمال " بحكم أنه الأقرب الى حيث نقيم .... حينها أدينا صلاة العصر في مسجده المقام بأموال الفقراء البسطاء المتبرعين لجمعية خيرية أنشأها الرئيس وحملت اسم الخليفة الاول ، سيدنا " أبو بكر " خليفة رسول الله ، عليه الصلاة وأتم السلام ، ثم توجهنا فورا قاصدين التوجه الى مسجد الامام الحسين ، غير أن خاطرا قويا دفعني الى الاقتراح عليهم ، خاصة وقد وصلنا قبل صلاة المغرب بنحو ساعة ، الى زيارة الجامع "الأزهر الشريف " وما أن دخلنا الى باحة المسجد ومشينا بضع خطوات في صحنه الطاهر ، حتى تكاثر على مسامعي وأمام عيني ذلك التاريخ العريق الذي يحيط بذلك الصرح العتيق ....

فقد بادرني أكبر أبنائي بما يفيد من أن الجامع الأزهر ، هو أقدم جامعة متصلة في التاريخ ، لم ينقطع دورها التعليمي والتربوي منذ أكثر من ألف عام ، ولا توجد جامعة على وجه الأرض تحظى بهذا الفضل ، غير ان ابنتي " الذكية المثقفة " ؟؟؟ وبلهجة واضحة غايتها اثبات الوجود المعرفي والثقافي ، أن سارعت بالقول موجهه حديثها الي شقيقها واليٌ ، مذكرة اياه ، بأن عمر هذا المسجد يفوق الآن الالف عام وأردفت بالقول للدلالة على صحة ماتقول : بأنها قرأت منذ أيام ، مجلدا فخما ورائعا صدر في عام 1969 عنوانه " القاهرة في ألف عام " وقد أصدرته هيئة الكتاب المصرية بمناسة مرور ، ألف سنة على بناء المسجد الأزهر ، ثم اقيمت القاهرة في رحابه الطاهرة ..... غير أنني حاولت أن أضيف ما يفيد بان ما يقوله كل منكم صحيح ، ربما أعرف بعضه ولا أدعي معرفة كله ، الا أنني أقول لكم ، اذا صح القول على أن هو " الأزهر " أقدم جامعة في العالم ، فان أقدم مسجد في قارة أفريقيا هو ، مسجد " عمرو بن العاص " فقد بناه هذا الصحابي الجليل عام 643 ميلادية اثر دخوله مصر ، وبتوجيه الخليفة العادل " عمر بن الخطاب " ...... ولسماحة الاسلام وعظمته أن جاء البناء مجاورا للكنيسة المعلقة احدى الكنائس ، أو قل المزارات والأماكن الطاهرة التي حطُت بها العائلة المقدسة ، سيدنا المسيح عليه السلام وأمه "مريم العذراء" البتول ويوسف النجار .... هنا تدخل ابني الثاني ، وأضاف من عنده مايفيد ، بأن ثمة معبد يهودي يجاور المسجد والكنيسة !!!! .... 

عندما ترافقت تلك المعلومات وجاءت تترى واحدة اثر أخرى ، أن سرحت بعيدا باحثا عن دلالات تلك النعمة بل النعم التي منحها الله لهذا البلد على طول الزمن ، فمنذ ابراهيم الخليل حتى " محمد " الصادق الأمين لم تنقطع آيات الرحمة ولم ينقطع فيضها ، فقد تعددت الصور وتنوعت البركات ، لكنها ظلت على الدوام منحة ربانية دائمة لذلك البلد المٌؤمن ببركة الله ، ثم أوليائه الصالحين والملايين من أبناءه الطيبين .... 

غير أنه ولكي يكتمل المشهد جمالا ، وبعد أن أدينا صلاة المغرب مع جموع المصلين في جو نادر من الخشوع ، آثر ابني الصغير الذي يحمل من اسمه دلالات البهاء والجمال ، أن يشارك أشقائه بعض مما قيل ، قائلا لي " لقد شاهدت فيلم ناصر 56 ، وهو يحكي عن معركة مصر ضد العدوان الثلاثي في عام 1956 ، لقد شاهدت هذا المنبر ، يقف عليه الرئيس جمال عبد الناصر يعلن التصميم على القتال ورفض الانصياع والاستسلام لبريطانيا وفرنسا واسرائيل " ثم سكت الصغير " النبيل " !!!! بضع لحظات ، متوجها الى المنبر التاريخي العريق المجيد لامسا بيديه اياه ، مستئذنا حارس المسجد بالوقوف حيث خاطب " ناصر" الشعب المصري والعربي والعالم آنذاك .... 

الوقت حينها داخل المسجد وفي صحنه وأروقته كان يسمح بالحوار والجلوس والاستماع بعضنا لبعض ، كانت مساجلة ثقافية وتاريخية ، والله لا أنسى جمالها حتى هذه اللحظة ، فالجميع بدا لي مشاركا وفاعلا ومكملا للمشهد بكل تجلياته ..... سمح امام المسجد الهادئ الطيب ،الذي انعكست عليه عشرة المكان على ملامح وجهه النبيل ، أن يقف ابني الصغير ويرتقي درجات المنبر حيث أرتقى منذ نحو نصف قرن ذات المنبر: عبدا زاهدا مؤمنا اسمه " جمال عبد الناصر " ...
حينها أوشك الوقت على الاقتراب من دخول صلاة العشاء ، وقبل أن يزدحم المسجد العريق بالمصلين القادمين ، سارعنا بالتوجه الى مسجد " الامام الحسين " لنلحق بالصلاة في أكثر الأماكن محبة الى قلبي بعد الحرم المكي ومسجد رسول الله ...أليس ذلك المكان الذي يسجى فيه رأس أعز من أحب نبي الرحمة !!!!! ، لقد احتسب الجد حفيده شهيدا عند الله ، وتوقع مقتله وحدد مكانته في العليين حيث يبعث كل طيب أمين باذن الله ، .... فقد قتلته الفئة الباغية ، رمز القهر والاستبداد والضلال والطغيان ... ليبقٌى " الحسين " على مٌر السنون والعقود والقرون ، بل والزمان ، رمزا للمحبة والسلام ولكل الباحثين : " على لقاء بارئهم بصفحات ناصعة بيضاء وقلب طاهر شريف "...

صلاح زكي أحمد ... 25= 2= 2013 

حديث الروح وخلجات النفس ...... الجزء الحادي عشر :

حديث الروح وخلجات النفس ...... الجزء الحادي عشر : 

( بعد أن أكرمنا الله بصحبة سيد العلماء طوال جلسة علم طالت باكثر مما كان مقدرا لها من جانبه ، ولم تكن على هذا الحال من جانبنا ، الا أن كلماته الأخيرة مفسرا بها طول الحديث وقعت على مسامعي ، وقعاَ خاصاَ وتفسيرا قد يوحي بشيئ ما من الخوف على الشيخ " محمد الغزالي " وقلقا مما قال ، فبعد أن طلب منا التوقف لبعض راحة حتى يواصل رحلته مع أولياء الله الصالحين ، أورد لنا تفسيرات ثلاث لطول الحديث ، منها أنه أفاض محبة فينا ، أو أن بركة الجوار قرب مقام سيد شهداء شباب أهل الجنة ، حفيد سيد الخلق سببا فيما قال وأطال ، وأخرها ما جعله خاطرا بقرب الرحيل الى الرفيق الأعلى ، بحسبان حديثه هذا رسالة الوداع قبل ترك دنيانا الفانية ،واللحاق بما يحتسبهم باذن الله أولياء الله الصالحين ....

عاد الشيخ الى مجلسه بعد قليل من الراحة شملت صمتا وديعا لا يعتريه قلق أو بعض من ارهاق سوى شفاة تلهج بالثناء والكثير من الحمد لرب العباد ، فقد كنت ومن حسن المنزلة وجميل المقام بالقرب منه وأسمع بعض مما يقول .... قال مستهلا الحديث بكلمات اعتاد عليها " أحبائي .... لقد توقفنا عندما غٌشى النوم نبي الله موسى ، وأخذته حالة من النوم العميق التي يفقد الانسان الادراك بما يحيط به ، فينطلق العقل الى عالم لا نعرف له حدودا ، وآنذاك أكرمه الله بتلك الرؤية التي أراد بها المولى عزوجٌل أن يعيد عبده المؤمن الى جادة الفهم وقوة الايمان ونصرة الحق التي أسبغها الله على عبده الُمهتدى ، أذ رأى ... انه في صحراء شاسعة يتحسس فيها صالح الطريق ، فقد تداخلت السبل فى رحلته بحثا عن الحقيقة ، فرغم ادراكه انه نبي مرسل لا يأتيه الوحي الا صدقا ، فان ما يحمله من جانب انساني يضعه أحيان ككل البشر في مواضع للتساؤل أو لمسة من اعتماد على الذات وما يعتريها من بعض خطأ .... رأى موسى عليه السلام ، أنه مدفوع بالسعي لبلوغ غاية ولقاء من هو أكثر منه علما ليعرف مقدار ما يمتلكه هو من قليل المعرفة قياسا بعبدِ صالح يحمل من العلم والرحمة مالم يحمل هو ، وهو النبي المرسل بالهداية والمغفرة ، كان الوعد أنه سيلقىٌ عبده المنتظر عند موضع يعرف بمجمع البحرين ، أو يمضى أجيالا وأجيالا حتي يبلغ مبتغاه .... بدا الأمر عند موسى عليه السلام قرارا لا يرد ، فلا مفر ، وبدا فتاه " يوشع بن نون " رفيقا له في رحلة البحث عن الحقيقة ،دون أن يكون عالما بخفاياها ، فقد وصلا حيث مجمع البحرين ، وربما يكون هذا أحد المواضع القريبة من التقاء مايعرف الآن بخليج السوبس وخليج العقبة جنوب شبه جزيرة سيناء وبالقرب من مدينة شرم الشيخ ..... لم يحدد الشيخ هذا الموضع من رحلة موسى عليه السلام ، ولكن عشقي لرحلة هؤلاء الرسل الكرام أخذتني بعيدا ولو للحظات عن حديث سيد العلماء ، حتى أن الشيخ وبكرم منه أعاد ما قاله على مسامعي ، حتى أعود الى طريقه الهادي الرشيد ، فهو العليم بما غاب عن ذهن الكثير من أمثالنا .... قال لنا مجددا " أيها الأحباء الأعزاء ، رأي النبي موسى في رؤياه ، أنه في موضع من رحلته المباركة سوف يغادر مجمع البحرين هذا ، وبعد أميال من المسير أدركه الجوع ولمسه التعب ، اذ وجٌه الحديث الى فتاه ، قائلا له ( ءاتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) بنص ماجاء في سورة الكهف ، فردٌ " يوشع بن نون " على سيده نبي الله ( ... أرأيت ءاذ أوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيهُ ءالا الشيطان أن أذكرهُ واتخذ سبيله في البحر عجبا ٌ ) .....

نبي الله لايزال في رؤياه لا يغيب عنها حولاٌ ، وبدا منتقلا الى الواقع الذي أخبره الله سلفا في تلك الرحلة العقلية الى عالم الغيب ، فبدا متكئأَ على تلميذه وصفيه وفتاه ، اذ أخبره " يوشع بن نون " بأن الحوت قفز الى البحر واتخذ سبيله في البحر مما يثير العجب والدهشة ، فكيف والحال هذه على سمكة تقفز الى الماء ومعدة للأكل أن يكون ذلك حالها ..... تلك حالة أخبرها الله لنبيه المهتدى وهو في عالم الرؤيا وسكون الليل وعميق النوم ، فعندما سمع " موسى " هذا القول من فتاه وضع يداه على كتفه ورد على الفورتغشاه الفرحة قائلا ( ذلك ما كُنا نبغِ فارتدا على ءاثارهما قصصا ) .... وقال الشيخ : كما ترون يأحبائي أن الحرص على بلوغ الهدف والرسو بسفينته على مرسى الحقيقة ، أن أعلن موسى أنه سيعود الى حيث كانا عند الصخرة القريبة من مجمع البحرين ، ويقتفي أثار قدميهما خطوة بخطوة وشبرا بشبر ليعودا الى حيث كانا ، فكيف يحيد عن خطوات حددها له الله ، محبة ورحمة ، فلم يتركه يتخبط في التيه ويتنكب به الطريق ، فهو الباحث عن هداية العلم ورحمة المعرفة .......
عادا ، موسى وفتاه الى حيث كانا ، وبدا المشهد من بعيد مثيرا للدهشة ، فلم يخبر نبي الله " يوشع بن نون " حقيقة هذه العودة بحثا عن " حوت " قفز الى البحر ، ما جدوى هذه العودة وما قيمة تلك السمكة ، مظاهر تثير الدهشة والتساؤل ؟؟؟؟ لكن القرأن الكريم لم يخبرنا خلال تلك الرحلة أن الفتى سأل نبيه وقائده عن أوضاع وأحداث تثير العجب !!!! ربما سأل " يوشع بن نون " ولم يبادر موسى النبي بالايجاب على غريب الحال تفسيرا وايضاحا لما طرحه تلميذه المختار ، وربما سأل هذا الصفي وأجابه نبي الله بغير الحقيقة ؟؟؟ تساؤلات عدة وملاحظات شتى لكن ظني أنا المستمع للشيخ الجليل ، أن ما لم يقله سيد العلماء ، حاولت أنا المبتدأ في طريق المعرفة أن أضع لهذه الحالة تفسيرا ، لا يخرج عن صحيح التربية عند أهل السماء الذين اصطفاهم الله ليكونوا رسلا للهداية ، فنبي الله عندما لا يخبر أحدا من صحابته ، جلهم أو واحد منهم ، لا ينبغي أن يبادروا بالسؤال اذا بدا الأمر خاصا ، وليس فيما يمس العقيدة أوالشريعة أو مسائل العلم ، فالحدود بين هذه وتلك لا تغيب عن ذوي الألباب من صحابة الأنبياء !!! 

المهم بدا المشهد استكمالا لما يثير الفضول عند الفتى ويرسى السكينة في قلب النبي المهتدى ، فقد وجدا في غبشة اليل القادم وقبل ساعات من ارسال ستائره ودجاه ، شبحا من بعيد تتشكل ملامحه كلما اقتربا من موضع الصخرة التي تركاها منذ ساعات وعادا اليها برؤيتين مختلفتين أشد الاختلاف ، ف " نبي الله " يعود ليلتقي بالعبد الصالح الذي أرشده الله في منامه أنه هذا هو صاحب العلم الذي لا تعرفه ولا شأن لك به ؟؟؟ أما الفتي الرشيد والعالم من العلم القليل ، فلم يدور في خلده سوى الجوع والطعام ورد النفس عن شكواها بألم الحاجة الى اسكات معدة خاوية ..... موقفان مختلفان وغايتان متباعدتان ، لكنهما اتفقا في رؤية رجل وحيد في صحراء قاحلة وقاتلة ، وحتى هذه اختلفا عليها بغير اعلان عن فحوى الاختلاف ، ف " موسى " يعرف أن هذا الرجل هو صاحب العلم ، فيما يراه صفيه وفتاه أنه رجل من أحاد الناس ألقت به الأقدار في طريقهما ، ولا يعرف هذا الفتى النجيب ، أن سيده هو الباحث عنه لكي يرشده الى كامل الهداية ويرسي به الى سلام المعرفة وادراك الحدود بين العلم الدنيوي والعلم اللدني من الله سبحانه وتعالى وأختص به بعض عباده الصالحين ،،،،،
اقتربا من الرجل الصالح الذي بدا مهيبا في طلعته واثقا في نفسه مطمئنا بملامح وجهه ، فالبشرة بدت ملوحة بشمس صحراء قاسية ، لكنها ما تركت الا هدؤا آثرا وجميلا ، وبدا سيدنا موسى ، وهو القوي الصلب العفي الحاسم القاطع في القول والعلم ، بمثابة تلميذ نبيل وديع أمام سيد في العلم لا يبارى ، وفي تلك اللحظة أدرك الفتى ، ولأول مرة ، أنه يقترب من حالة سيده " موسى " عليه السلام ، فهما أمام هذا القادم من بعيد ومن المجهول سواء !!! فالسيد النبي ، والفتى الوديع الصفي ، هما أمام العبد الصالح طلاب معرفة وباحثي علم وأبناء السبيل في محراب العلم الالهي ، علم المعرفة التي لا يعرفها أحد الا من اختصه الله بكامل رحمته وعظيم علمه ..... 

سكت الشيخ " محمد الغزالي " عن الحديث فجأة طالبا بعض قطرات من الماء ، وبدا مشهدنا نحن في حضرته طلاب معرفة وتلاميذ نسعى للاستماع والاطلاع على بعض نعمة اختص الله بها سيد العلماء ، شيخنا الحبيب ، وعبده المؤمن " محمد الغزالي " .......موقفان تشابها رغم تباعد السنين والعقود والمواقف والأجيال ، فموسى النبي يسعى الى المعرفة ويدفع الثمن الغالي ليصل اليها ، ونحن في حضرة سيد العلماء يأتينا العلم يَترى دون مشقة أو نٌصب ، لم ندفع شئ سوى نعمة الاستماع وجميل الهداية ، فالبركة تحف بالمكان والملائكة تسبح معنا بجلسة العلم ونعمة المعرفة ، ألسنا في حضرة صاحب المقام ، الحسين بن علي ،سبط رسول الله ؟؟؟؟...)

صلاح زكي احمد ... 2=4=2013

صورة مجملة عن الدكتور " أحمد يوسف احمد "

الصورة الرابعة :

"..... هناك في حياة الكثير من الناس ، قرار ما ، أو حادث عارض ، أو موقف طارئ ، يكون له أكبر الأثر في القادم من الأيام ، وتشكيل مستقبله على نحو يتجاوز كل الحسابات ...
أعتقد أن كتاب " الدور المصري في حرب اليمن بين أعوام ٦٢ / ١٩٦٧ " يمثل للدكتور " أحمد يوسف أحمد " هذا الحدث الهام الذي فتح له أبواب جديدة من العمل العلمي الأكاديمي ، والإنخراط أكثر في العمل العربي ، بمعناه العلمي والقومي ..... إذ بات الرجل واحدا من أهم الخبراء العرب في دراسة العلاقات العربية / العربية ، فبعد شهور من صدور الكتاب الذي يحمل بين دفتيه موضوع حرب اليمن أن ، شارك في أكثر من مؤتمر علمي داخل الوطن العربي وخارجه ، أتذكر منها ، وإن لم تخني الذاكرة ، العمل في مبادرة أكاديمية " مصرية / إيطالية " في مدينة " فلورنسا " حملت هدفا عريضا يتناول الشأن السياسي والاقتصادي المشترك بين العالم العربي وأوروبا ، كذلك أتذكر أيضاً مشاركته أستاذا زائرا في جامعة " ماتسوسيتش " الأمريكية والتي تضم في جنباتها أكبر المراكز البحثية في العالم ، وذلك خلال السنوات الأولى من عقد الثمانينيات من القرن الماضي ....
بعدها حدث للدكتور " أحمد " حدثين بالغي الأهمية ، أحدهما السفر إلى اليمن الشقيق ، أستاذا في جامعة صنعاء العريقة ، التي كانت أحد أهم نتائج الثورة اليمنية ، ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام ١٩٦٢ ، يومها دهش الكثير من زملاء وأصدقاء " أحمد يوسف " بالسفر إلى اليمن للعمل في جامعتها ، ولم يقبل عروضا كانت متاحة له بكل سهولة إلى دول الخليج ، وما أكثرها في تلك الفترة ، وما أكثر ما تدره من أموال للعاملين فيها !!!!

كان قرار الدكتور " أحمد " لمن يعرفونه عن قرب ، لم يكن قرارا مفاجئا ، فالرجل لم تشغله يوما أموالا ولا سلطة ولا منصب ولا جاه ، عاش بسيطا في الحياة بقدر عظمته في اختيار المبدأ ومعايشة الموقف ..... كان باختصار " صاحب رسالة " .....
كنت اراسله وقتها ، وأكتب اليه والى السيدة زوجته ، للاطمئنان على سير الحياة وظروف العمل وأحوال الأسرة " الدكتورة عزة والأبناء / هبة الله ومحمد " وكانا حينها في بداية سنوات العمر ، فلم أسمع منه ، سوى كلمة جامعة شاملة هي " الحمد لله " .... " نحن في منتهى السعادة ... الشعب اليمني ، شعب بالغ الذكاء ، كثير الثناء والوفاء لدور مصر في حماية ثورته ، محب لعبد الناصر . في شماله وجنوبه رغم اختلاف الطباع والثقافات والانتماء ، فعبد الناصر عندهم هو القاسم المشترك الذي لا خلاف على دوره ومقامه في حياة اليمن ونهضة شعبه ... "
وعندما أخبرهما بحجم التطور الذي كنت ألمسه وأعيشه في إحدى دول الخليج آنذاك / دولة الإمارات العربية / مقارنة بتلك الحياة الخشنة التي كان يحياها في الجمهورية اليمنية ، كان جوابه المشترك مع الدكتورة عزة وهبي ... " صلاح ... تعرف أنني رجل أنتمي لجيل يرى في بلدان العرب ، كل البلدان ، وطنا له .... قطعة صغيرة خضراء من الأرض نراها كل يوم في تلك المنطقة التي نعيش فيها كفيلة بإدخال السعادة والفرحة إلى نفوسنا والبهجة والراحة إلى الأولاد !!!!....
يا  الله ..... أيها الصديق الكريم الزاهد العفيف ، من رؤية واختيار لا يجتمعان إلا في النادر من الرجال ، أقرب إلى اصحاب الرسالات الكبرى ، سلوك يذكرني
مع الفارق والعصر والزمان ، الى اولئك الذين شدوا الرحال الى دول وأوطان وأصقاع قريبة وبعيدة ، امتدت بعد ذلك الى بلدان شملت أقصى أطراف قارتي آسيا وأفريقيا ، ينشرون الدعوة والسلوك الحسن القويم ، سلوك أهل الفتح الاسلامي العظيم ...
بعد ذلك بسنوات جمعتني طبيعة العمل مع عدد من الزملاء العاملين في مجال الصحافة والإعلام في اليمن الشقيق ، وفوجئت أن عددا كبيرا منهم ، كان طالبا عند الدكتور " أحمد " حيث كان من المؤسسين الأوائل لقسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء وخلال فترة رئاسة الدكتور " عبدالعزيز المقالح " المفكر والأديب العربي الكبير للجامعة .... اتفق الجمع على إسباغ ما يستحقه هذا الرجل النبيل من تقدير وحب ، حتى أن الكثير منهم اتجه إلى القاهرة عند عودة الدكتور " أحمد " إلى مصر في مطلع عقد الثمانينيات ليستكمل دراساته العليا في العلوم السياسية ، طالبا جديدا مع الدكتور " أحمد " سواء في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، التي يشغل بها استاذا ، أو معهد البحوث والدراسات العربية ، أحد أهم المراكز البحثية المرموقة التابعة للجامعة العربية ، بوصفه مديرا له منذ سنوات التسعينيات من القرن الماضي ....
ذلك هو الحدث الأول بالغ الأهمية في حياة الدكتور " أحمد " ... لكن ثمة حدث آخر أراه من وجهة نظري الحدث الأهم في حياة هذا الباحث والمفكر العروبي النادر المثال ، علما وخلقا وإيمانا بعظمة أمته العربية الممتدة من الماء إلى الماء ....)
صلاح زكي أحمد ... القاهرة ... فجر الثاني من نوفمبر من عام ٢٠١٣
غداً نستكمل بإذن الله صورة جديدة من عالم الدكتور " أحمد يوسف أحمد "