الخميس، 23 يوليو 2015

معرض الكتاب

زيارة جديدة لمعرض الكتاب ..... خواطر حاضرة من زمن مضى :
( .... للأستاذ " محمد حسنين هيكل " رئيس التحرير التاريخي لجريدة الأهرام المصرية كتاب جميل ، عنوانه " زيارة جديدة للتاريخ " جاء فيه على حوارات هامة جرت على طوال سنوات عمره المديد بإذن الله مع زعماء وقادة وساسة كبار ، عددهم سبعة شخصيات كان لها بصمة على تاريخ العالم في أكثر من مجال ، منهم العالم العظيم " ألبرت آنشتين " وزعيم الهند الكبير " جواهر ٠ل٠نهرو " و شاه " ايران السابق " محمد رضا بهلوي " والفيلد مارشال " مونتجمري "القائد البريطاني  لمعركة العلمين خلال الحرب العالمية الثانية وآخرين .... 
تذكرت هذا الكتاب الرائع ، والذي قرأته منذ سنوات طوال ، وأنا أخطو خطوتي الأولى لمعرض الكتاب الدولي في دورته الخامسة والأربعين ، فلم أشاهد منذ نحو ثلاثين عاما هذا العمل الثقافي الكبير طوال تلك السنوات ، فقد غادرت القاهرة ومصر في نهاية عام ١٩٨٣ ، لعمل ثقافي له طابع عربي وقومي ، وعند عودتي السنوية الى أرض الوطن في شهور الصيف ، لا يجري خلالها هذا النشاط الثقافي والمعرفي ، ومن هنا كان معرض عام ٨٣ هو آخر ما شاهدته عيني من كتب في بلدي ووطني ...
وهنا بدت لي المقارنة بين الزمن  الراهن وذلك الذي مضى واجبة  ، فقد كنت محظوظا أن شاهدت الدورة الأولى من معرض القاهرة ، كان ذلك في عام ١٩٦٩ بعد عامين من هزيمة ٦٧ ، وكانت وزارة الثقافة وقتها تحت رئاسة وزيرها المثقف الكبير الدكتور ثروت عكاشة  تحتفل  بمرور ألف عام على قيام وانشاء مدينة القاهرة ورئيسة الهيئة العامة للكتاب وقتها الدكتورة سهير  القلماوي  ورئيس البلاد حينها جمال عبد الناصر ، كان الزمن ، زمن حرب ، فقد بدأت حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية في مارس من نفس العام واستشهد قائد تلك الحرب الفريق عبد المنعم رياض في يومها الأول .... التاسع من مارس من نفس العام .... 
رغم تلك التحديات والمصاعب الجلل ، لم يأتي المعرض على نحو خجول أو متواضع ، بل كان بمثابة صرخة بالحياة لوطن لا يهزم وأمة لا تعرف الانكسار ، كانت الصحف تحمل في عناوينها الرئيسية أخبار الحرب مترافقة مع آخر أخبار معرض الكتاب ...
كان المعرض وقتها مقاما في أرض المعارض في منطقة الجزيرة ، التي يقام عليها الأن " دار الأوبرا المصرية " موزعا على عدد من القصور الرائعة في مبانيها وفخامتها وجمالها ، كانت تحفة في فن العمارة الكلاسيكية الراقية ، والتي هدم بعضها للأسف الشديد لبناء المبنى الحالي للأوبرا المصرية ، كانت القصور تلك في هذا الوقت متقاربة يفصل بين الواحد والآخر مسافات محدودة وقصيرة ، ويسمى كل منها " سرايا " وهو الاسم التركي على ما أظن الذي يطلق على القصر ، وهو ما يساعد زوار المعرض على التنقل بسهولة من مكان إلى مكان دون مشقة كما هو الحال الأن ، فالمعرض الحالي المقام في أرض المعارض بمدينة نصر على مساحة واسعة للغاية ، وأجنحة المعرض كثيرة جداً ، ومن الصعب زيارة كل أجنحته مما يترتب عليه ضياع الجهد في البحث عن كتاب معين تريد اقتناءه من دار نشر بعينها ، فحسب ظني ليست هناك خريطة تفصيلية بأماكن وأجنحة الكثير من  دور النشر ، ولم تتدارك  اللجنة المشرفة هذا الخلل طوال السنوات الماضية التي شهدها معرض الكتاب في موقعه الحالي بمدينة نصر ، فقد ذهبت للبحث عن بعض دور النشر التي أعرف قيمتها الثقافية والمعرفية ، سواء مصرية أو غير مصرية ، فحارت بي السبل ، ولم تساعدني قدرتي على السؤال ، فضلا عن بصمات الزمن الصحية ، في الوصول إلى المبتغى !!!  
معرض عام ٦٩ كانت البصمة المعرفية الماثلة لكل الحضور من زواره  تدور حول " الحرب بكل أشكالها من حرب تقليدية وحرب ثورية وسبل  حشد الجماهير وإعادة بناء الجيوش بعد معارك النصر والهزيمة، فضلا عن الدراسات الجادة التي قدمتها مراكز بحثية عربية ومصرية مرموقة عن إسرائيل بكل مكوناتها الحزبية والسياسية والعسكرية ، وهو الأمر الذي بدا مختلفا في الدورة الحالية لمعرض الكتاب ، إذ توزعت العناوين على الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين ودورها التخريبي على مر العهود ، فضلا عن الثورة المصرية في ٢٥ يناير ٢٠١١ التي أسقطت حسني مبارك و٣٠ يونيو ٢٠١٣ التي أطاحت بحكم الإخوان في مصر ....
بطبيعة الحال لم تكن تلك هي الصفة الطاغية فيما هو معروض من كتب ، فثمة أعمال ثقافية وأدبية متنوعة ، يكفي أن أقول أن شعار المعرض هذا العام كان عنوانه هو " طه حسين والتنوير" وما ترتب على ذلك من إعادة الهيئة العامة للكتاب اصدار الأعمال الكاملة لعميد الأدب العربي ...
 ثمة إشارات ومعالم إيجابية أخرى حملها معرض هذا العام ، أولها وأهما النسبة الهائلة من الشباب من زوار المعرض الحالي ، وحرصهم على إقتناء الأعمال الأدبية والسياسية والثقافية  المختلفة ، وهو ما يختلف نسبيا عن معرض عام ٦٩ وما تلاه من سنوات ، فقد جاء الزوار من مراحل عمرية مختلفة ، وبدت حينها النسب متقاربة ، ربما يرجع ذلك إلى أن الغالبية الكاسحة من الشباب المصري من خريجي الجامعات وقتها ، كانوا داخل صفوف القوات المسلحة وفي جبهات القتال ، أما الان فليس زمن حرب ، سوى حرب على الإرهاب الذي يضرب ويختفي على نحو يائس ومريب !!!
بجانب تلك المشاركة التي أعتبرها إيجابية للغاية لجيل يجيد إستخدام أجهزة الكمبيوتر والاتصال الحديثة ، ثمة إيجابية كبيرة تقدمها مؤسسات الدولة العاملة في مجال الثقافة ، وأعني بها الهيئة العامة المصرية للكتاب ودار الوثائق القومية والمركز القومي للترجمة وهيئة قصور الثقافة ، ففضلا عن دورها الرائد في تقديم كتب في مختلف المجالات المعرفية ، فهي تقدم أيضاً إصدارات بسعر مقبول للغاية ، وسلسلة مكتبة الأسرة والتي صدرت في نهاية  عقد التسعينيات من القرن الماضي وتحت إشراف زوجة الرئيس الأسبق حسني مبارك ، لا زالت تقدم أحدث مطبوعاتها بأسعار متاحة للجميع رغم رفع الدعم الذي كان يقدم لها من هيئات  مختلفة  ومؤسسات ودور نشر كانت تشارك أملا وطمعا في الحصول على رضى مؤسسات الحكم السابق ، نظام حكم الرئيس مبارك ... 
إلا أن واحدة من أهم الملاحظات التي شاهدتها في معرض هذا العام ، تتعلق بالقوات المسلحة ، فهيئة البحوث العسكرية وأكاديمية ناصر العسكرية تعرض في جناحها عدد كبير من الأعمال البحثية والعلمية ، الموثقة والرصينة ، لتاريخ الجيش المصري عبر العصور ، من الدولة الأولى لعصر الفراعنة وحتى اليوم ، فضلا عن تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية من عام ١٩٤٨ وحتى حرب أكتوبر المجيدة ، بالإضافة إلى ترجمة الكتب والدراسات العالمية التي تناولت المؤسسة العسكرية المصرية وحروبها المختلفة ودورها السياسي والاجتماعي في العصر الحديث ، وكذلك نشر رسائل الماجستير والدكتوراه الصادرة عن الجامعات المصرية وأكاديمية ناصر العسكرية العليا التي تتناول الشأن العسكري المصري والعربي .... غير أن المؤسف بحق هو عدم إتاحة هذه الأعمال العلمية الهامة للجمهور العادي أو حتى المتخصص ، فتلك المطبوعات الفاخرة شكلا ومضمونا ومحتوى هي للعرض فقط ، وليست للبيع ، وهو الأمر الذي يثير العجب والدهشة والأسف ، ولسان حالك يقول " ولماذا العرض إذن ؟؟؟؟" وعندما سألت الضابط المسؤول عن جناح القوات المساحة عن كيفية التعامل مع هذه المعضلة ، تكرم بكل أدب واحترام والابتسامة لا تفارق وجهه ، قائلا " حتى الان الأمر الذي تطلبه حضرتك غير متاح ، ربما نعرض ما تكتبه هيئة البحوث العسكرية للبيع للمواطنين مستقبلا ، أي في الفترة القادمة ؟؟؟ وعندما سألته كيفية  الاستفادة من تلك الأبحاث ؟؟؟ قال " الذهاب إلى مكتبة أكاديمية ناصر العسكرية والاطلاع على ما فيها من كتب ، وهي هامة للغاية ، فضلا عن أبحاث هيئة البحوث العسكرية !!!.... حينها وجدت نفسي أقول له " سيادة العميد ... كم واحد من الشعب المصري سينال حظوة دخول تلك الأكاديمية العريقة والانتفاع بما فيها من كنوز العلم والمعرفة !!! اكتفى الرجل بالابتسامة ، ووجدت نفسي متوجها إلى الأبواب الرئيسية للمعرض عائدا إلى المنزل ، وأنا محمل بمزيج من مشاعر مختلطة من الأمل بشباب جميل باحث عن المعرفة من أصولها وهي الكتاب ، والرجاء بان تستمر الدولة بدورها برعاية الفقراء بتقديم خدمة ثقافية ومعرفية للشعب المصري بسعر في متناول الجميع ، والأسف على كتب وأعمال علمية محترمة غير متاحة للجميع ..... أما الإرهاق والتعب الذي بلغ بي مبلغا كبيرا ، فهو فضلا عن أنه حالة خاصة بالكثير من أبناء جيلي ، فأنه لن يمنعني بشد الرحال مرة أخرى إلى زيارة جديدة لحاضر راهن رغم ما أحمله من خواطر رائعة وحاضرة من زمن مضى ...) 
صلاح زكي أحمد... القاهرة / فجر ٢٩يناير ٢٠١٤ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق