ثورة الكرامة :
************
( .... منذ ٦٣ عاماً ، وتحديداً في ليلة الثلاثاء / الأربعاء ، الموافق ٢٢ / ٢٣ يوليو من عام ١٩٥٢ ، تغير وجه تاريخ مصر الحديث ، فتغير وجه التاريخ العربي ، والتاريخ الإقليمي والعالمي ....
عند الساعة الفاصلة بين اليومين ، تحرك بعض من ضباط الجيش المصري ، وصل عددهم الى ٩٠ ضابطاً بالتمام والكمال ، لم يعرف أسمائهم كاملاً سوى ضابط واحد فقط ، اسمه "'جمال عبد الناصر حسين سلطان " ولم يكن يحمل سوى رتبة " البكباشي "كان هو الوحيد الذي يعرفهم فرداً ، فرداً ، بوصفه القائد والمُنظم والمُشرف على تنظيم سري يعمل داخل صفوف الجيش ، اسمه " حركة الضباط الأحرار " ...
******
تأسس التنظيم عند منتصف الاربعينيات من القرن الماضي ، وتطور في أكثر من مرحلة ، وكانت حرب فلسطين عام ١٩٤٨ هي الاختبار النهائي والعملي لقوته وصلابته...
كان غالبية ضباط هذا التنظيم من صغار الضباط المشاركين في تلك الحرب ، والتي أدرك الكثير منهم ، أن المعركة الحقيقية هي في مصر ، في القاهرة ، لا فلسطين ، حيث تهيمن على مصر طبقة من أصحاب المصالح ، الإقطاع ورأس المال ، ويسيطر علي هذه الطبقة ، ملك فاسد تافه يتربع على سلطة الحكم ، ثم يعتلي هذا الهرم الفاسد جيش الاحتلال البريطاني ، الذي احتل البلاد في عام ١٨٨٢ وبمعاونة من حاكم عميل وحقير اسمه " توفيق " ...
خديوي مصر ، الخائن لوطنه والمتآمر على الثورة العرابية الخالدة ....
كان الاحتلال في ذلك الزمن ، والكاتم لأنفاس الشعب والوطن لأكثر من ٨٠ عاماً هو الآمر الناهي ...
يأمر الملك فيطيع ، فيخضع من بعده تحالف الإقطاع ورأس المال ، أما الشعب ، صاحب الأرض والفضل ، فهو المُهان في وطنه ، المُتسول في مُدنه ، والباحث عن بقايا فُتات من خبز وطعام من بقايا ، بقايا موائد الكبار !!!! ....
******
في تلك الليلة كان هذا الشعب على موعد مع القدر ...
تحركت طلائع من جيش العزة والكرامة ، كان عبد الناصر واقفاً هو وزميله " عبد الحكيم عامر " ليشرّف على حركة القوات في ذلك الموضع الذي أقيم فيه بعد سنوات ، مسجد " جمال عبد الناصر " في كوبري القبة ، وذلك لقرب رئاسة أركان الجيش من ذلك المكان ، والذي يحتله الآن المُجمِّع الطبي للقوات المسلحة في كوبري القبة ....
*********
كان مجلس قيادة الحركة ، والذي كان يسمى وقتها " اللجنة التنفيذية " قد عقد آخر اجتماع له في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الثلاثاء الموافق ٢٢ يوليو في بيت الضابط " خالد محيي الدين " على نحو مايذكر المؤرخ الفرنسي " جورج فوشيه " في كتابيه عن الثورة :" عبد الناصر وصحبه ، وعبد الناصر في طريق الثورة "...
فبعد أن راجعوا خطة الثورة التي أعدها " زكريا محيي الدين " وأدخل " ناصر " بعض التعديلات الجوهرية عليها ، انتهى الاجتماع في تمام الساعة التاسعة مساء نفس اليوم ، وتوجه كل ضابط من أعضاء اللجنة القيادية للحركة الى وحدته العسكرية ، على أن يتم التحرك في تمام الساعة الثانية عشر من مساء ٢٢ / ٢٣ يوليو من عام ١٩٥٢ ...
******
تفاصيل تلك الليلة المجيدة والعظيمة في تاريخ مصر وسائر العرب والإنسانية ، جاءت في عشرات الكتب ، بل مئات الكتب ، لكن يكفيني في تحديد مكانتها العالية ، وموقعها الفريد في تاريخ البشرية ، أن أذكر ما جاء في كتاب وأحد من كتب مفكرنا الكبير ، العبقري ، " جمال حمدان " ففي كتابه الفذ والطليعي " استراتيجية الاستعمار والتحرير " يقول :
" لم تعرف الانسانية خلال القرون الثلاثة الماضية سوى أربع ثورات ، يُمْكِن أن يطلق عليها الثورات العالمية الكبرى ، التي تركت علامات بارزة في تاريخ البشرية ، وهي الثورة الفرنسية والثورة الامريكية والثورة الروسية وثورة ٢٣ يوليو المصرية ، ثورة ١٩٥٢ ..."
*******
كانت الثورة المصرية ، والشعب المصري والعربي ، في صبيحة هذا اليوم على موعد مع القدر بحق ...
في صباح يوم الاربعاء ، الموافق " ٢٣ يوليو ١٩٥٢ " كتب الاستاذ " كامل الشناوي " أحد رؤساء تحرير جريدة الأخبار ، مقالاً يتصدر الصفحة الرئيسية من تلك الجريدة ، يحمل عنواناً لافتاً ومثيراً ، عنواناً هو النبؤة بعينها !!!!
كان العنوان هو :
" مصر تبحث عن رجل " !!!!
******
كان " عبد الناصر وصحبه " هوالرجل ، وصحبه ، هم الرجال ...)
********
صلاح زكي أحمد
القاهرة : يوم ٢٢ / ٢٣ يوليو من عام ٢٠١٥
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق