رسالة الى الذين لا يعرفون مصر قبل ثورة ٢٣ يوليو :
**************************************************
( ... كان استاذي وصديقي ، المفكر القومي الكبير ، الاستاذ " محمد عودة " رحمه الله ، قول كريم ودقيق وحقيقي لا زلت أتذكره رغم مرور سنوات طويلة وبعيدة على سماعي له ، كان يقول :
" هناك نوع من الناس ، الذين يطلقون على أنفسهم ، وصف " مثقفين " أصحاب غدة من الكراهية والحقد لا تعرف عن ثورة يوليو وتاريخها غير بعض الإخفاقات ، ولا يذكرون أي إنجاز أو مكسب تحقق للأغلبية الساحقة من الشعب المصري !!!
أناس لو بحثت عن الأصول الاجتماعية لغالبيتهم ، ستجدهم أنهم من أبناء الفلاحين أو العمال أو صغار الموظفين ، بمعنى آخر ، أنهم من أبناء الطبقات والفئات الاجتماعية التي استفادت من قوانين العدالة الاجتماعية ، مثل : مجانية التعليم ، والإصلاح الزراعي والحد الأدنى للاجور ، وغيرها وغيرها من تلك القوانين التي لولاها ما شهد هؤلاء الناكرين للجميل الكارهين للثورة ، يوماً واحداً من الكرامة وعزة النفس ...
هؤلاء ، لا يتم علاجهم إلاّ في مصحة عقلية أو البحث عن مستشفى متخصص في معالجة غدد الكراهية ، وفقدان البصيرة " !!!
*********
انتهى كلام الاستاذ " عودة " ، وانتقل الرجل الى رحمة الله ، غير أن هذه الفئة الضالة الكريهة ، لم تنتهي ، وفي الغالب لن تنتهي ، فالحياة لا تخلو من هؤلاء ، لا تخلو من الشر لكي ندرك معنى الخير والفضيلة والحب ، لا تكتمل الحياة دون وجود هذه الفئة ، التي تستوي في الغواية والحقد والكراهية مع الشياطين والمنافقين وأصحاب الدرك الأسفل من النار ...
********
أتذكر منذ زمن تجاوز عشرات السنوات ، أن خصص الاستاذ " أحمد بهاء الدين " رئيس مجلس ادارة دار الهلال العتيدة ، العدد التذكاري لمجلة المصور بمناسبة الاحتفال بثورة يوليو في عام ١٩٦٥ ، خصص غالبية صفحات هذا العدد لموضوع واحد ، وفكرة واحدة ، وتقع تحت عنوان لافت وعبقري هو :
" كان يا مكان "
قام الاستاذ " بهاء " بوضع حشد هائل من الصور ، الصورة ونقيضها ، مثل فقير مصري ، يجر عربة ، أشبه ب" الياشكا " الهندية تحمل أحد الباشوات الذي يتجاوز وزنه أكثر من طن ، وهذا المواطن المُعدم الفقير ، يمشي حافي القدمين ، وبؤس الدنيا على وجهه !!!!!
ومثلاً : أحد الاحتفالات الفخمة الباذخة الثراء والسفه ، التي تجمع المئات من زوجات وأميرات الأسرة الملكية ، وعشيقات الأمراء ، وزوجات السفراء والوزراء والباشوات ، والهدف ، هو القيام بحملة خيرية ، تحت رعاية صاحبة السمو الملكي ، الملكة " ناريمان " لجمع التبرعات لمكافحة ظاهرة الحفاء بين أبناء الشعب !!!
وهكذا يفرد الاستاذ " بهاء " مئات الصور ، كل منها مصحوباً بكلمات قليلة ، صور مُعبرة ، غير أنها صور مؤسفة ومُهينة وحزينة ومؤلمة ، وقد ختمها بصورة كبيرة لجريدة حزب مصر الفتاة ، تجمع مئات من المصريين الفقراء الذين يفترشون الأرصفة في إكبر ميادين العاصمة ، ميدان الإسماعيلية ، التحرير فيما بعد ، في يوم شتاء بارد وعاصف وقاسٍ ، ويكتب تحتها ، وبمانشيت عريض عبارة مكونة من ثلاث كلمات :
" رعاياك يا مولاي الملك !!!! "
********
قبلها كان الاستاذ " خالد محمد خالد " قد أصدر كتاباً لم يرى النور إلاً لبضع ساعات ، قبل مصادرته ، كان عنوانه " مواطنون لا رعايا " يشرح فيه صور البؤس والفقر والحاجة ، والفقر الذي يصل ، والعياذ بالله ، الى حد الْكُفْر !!!! ...
قبلها بسنوات قليلة نشر الاستاذ العميد ، الدكتور " طه حسين " بضع مقالات ناقدة وفاضحة وكاشفة للظلم والقهر الإجتماعي الذي كان يعيشه الملايين من الشعب المصري ، فما كاد المقال يعرف طريقه للنشر إلاّ وتصادر الصحيفة الناشرة له ، ويُستدعى " طه حسين " للنيابة العامة للاستحواب والتحقيق معه ...
ولم يتح للدكتور " طه " نشر هذه المقالات في كتاب إلاً بعد قيام الثورة ، ثورة يوليو !!!!
وكان عنوان الكتاب قاسياً ومؤلماً ، كان العنوان هو " المعذبون في الأرض " ...
غير أن الإهداء كان أقسى وأقصى ، حتى بات أهم وأخطر إهداء لعمل أدبي أو فكري في تاريخ العرب الحديث !!!
كان الإهداء يقول :
" الى الذين يحرقهُم الشوق الى العدل ، والى الذين يؤُرقهم الخوف من العدل ...
الى أولئك وهؤلاء جميعاً أسوق هذا الحديث "
**************
" الى الذين يجدون ما لا ينفقون ، والى الذين لا يجدون ما ينفقون ...
يساق هذا الحديث " ... )
**********
صلاح زكي أحمد
القاهرة : ٢٢ / ٢٣ يوليو ٢٠١٥
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق