الاثنين، 21 يناير 2013

الحكاية الثالثة : ناصر وعبد المنعم رياض : الجزء الثالث


ثلاث حكايات شخصية عن زعيم الأمة العربية .
في ذكرى ميلاد جمال عبد الناصر:
الحكاية الثالثة : ناصر وعبد المنعم رياض : الجزء الثالث .
( في قاعة الاجتماعات الرئيسية في القصر الجمهوري بالقبة ، وعند حوالي الساعة الثامنة مساءا ،كانت الجلسة الاسبوعبة من اجتماعات مجلس الوزراء برئاسة الرئيس " جمال عبد الناصر " .. وبينما الرئيس يتحدث عن أوضاع الجبهة الداخلية،دخل احد موظفي الرئاسة الى القاعة منتظرا اللحظة التي يتوقف فيها الرئيس عن الحديث ، حينها لاحظ " ناصر " حالة من القلق تنتاب الرجل ... توقف عن الكلام ، موجها حديثه الى الموظف الذي يعمل في سكرتارية المعلومات التي يديرها السيد " سامي شرف " قائلا : ياستاذ " فلان " ماذا عندك ؟.. تقدم الرجل بورقة صغيرة الى الرئيس مباشرة ، قرأها على الفور ، والحضور من الوزراء يوجهون نظرهم الى الرئيس ، وعلى الفور حدث ما لم يحدث من " الريس " من قبل ، اذ وضع رأسه بين كلتا يديه ، واضعا اياهما على طاولة الاجتماع لا ينطق بحرف ... لحظة كأنها الدهر والجميع في حالة من الدهشة والخوف والرعب !!! ماذا جرى وماذا قرأ الرئيس وجعله في تلك الحالة غير المعتادة عنه ؟؟؟ ... تحدث ارئيس بكلمة واحدة " مات الفريق رياض ، استشهد رياض قرب الاسماعيلية وبين جنوده !!!... ساد القاعة الكبيرة صمت رهيب ، وانفجر البعض في بكاء مسموع وآخر لا يبدو منه غير دموع تنساب من العيون ، وأخرين لم يجدوا ما يفعلوه سوى التطلع الى سقف القاعة متأملا ومواسيا لنفسه ، فقد عجز الجلوس حتى عن تقديم المواساة الى الرئيس ، فالجميع أو قل أغلب الحضور كان يعرف الفريق رياض شخصيا ، غير ان القائد العام الفريق أول " محمد فوزي " الذي كرر كلمة " مش معقول مش معقول أكثر من مرة " بادر بعد لحظات من الهدؤ واستيعاب الكاراثة ، باستئذان الرئيس بالخروج للحصول على المزيد من المعلومات ، وبعدنحو خمسة عشر دقيقة ، عاد " فوزي " وعنده الكثير من التفاصيل ... كان الفريق رياض ، عند منطقة محاذية للضفة الغربية للقناة ، وتحديدا عند موقع يسمى " نمرة ستة " ، كان يتفقد الجنود ويطمئن على مدى استعداد القوات ، وبينما هو يتنقل من موقع الى آخر وبرفقته عدد من القادة ، ذكر منهم اللواء " عبد التواب هديب واللواء أحمد اسماعيل علي" قائد الجبهة ، استئذن عدد من جنود أحدى وحدات الدفاع الجوي" رياض " لزيارة موقعهم ، استجاب حينها على الفور ، مبادلا اياهم بكلمات هي الأخيرة في حياته ، حيث قال لهم ( لا أستطيع ان أتخلى أو أرفض ماتطلبوه ، الا تعرفون يأبنائي أن سلاح الدفاع الجوي هو سلاحي الأصلي ) !!! وما ان تحرك معهم ودخل أحد الخنادق في موقعهم حتى انهمرت القذائف على موقع قريب من الفريق رياض ، وبفعل تفريغ الهواء والضغط الذي تحدثه قنبلة بقوة واحد طن ، مات سيادة الفريق ، دون ان ينال جسده أي شظايا ، بينما اصيب عدد من المرافقين بجروح متنوعة تم علاج بعضها في الميدان ...



وبعد ان انتهي الفريق " فوزي " من حديث المعلومات ، عاد الرئيس الذي عصره الحزن عصرا ... الى ما يبدو استكمالا لما بدأه القائد العام ، وان كان يتعلق بالساعات الاخيرة من حياة الرجل ، قال الرئيس : لقد مرً عليً الفريق فوزي ومعه الفريق رياض أول أمس ، أي يوم السابع من مارس من عام 1969 !! وبدا تحديد الرئيس للزمن والوقت ما يعني الكثير ، كأنه يريد ان يسجل لحظة تاريخية في حياة مصر والجيش المصري ، لقد وصلا الى بيتي عند ساعات الصباح ليناقشوا معي وفي وجود عدد من مساعديهم بدء عمليات ما أطلقت عليه حرب الاستنزاف والتي تضم ثلاثة مراحل كما حددها الفريق رياض نفسه ، الاولى مرحلة الصمود والثانية مرحلة الردع ثم تختتم بمرحلة التحرير باذن الله بالعبور الى سيناء ، ثم سكت الرئيس وبدت قسمات وجهه مزيجا من الحزن العميق والتصميم وقدر لا بأس منه من مشاعر انسانية مختلطة بينها الندم ... لقد قلت له لا داعي للذهاب الى الجبهة الآن ، قلتها له عندما أبدى لي هذه الرغبة ، معللا ذلك بكلمات بدت قاطعة ، فيبدو أنه قد عزم أمرا لارجوع عنه ، قال لي : يافندم العمليات سوف تبدأ عند ساعات الفجر من صباح الغد أي الثامن من مارس ، سوف أترك 24 ساعة فقط من القصف على مواقع العدو الذي يطلقون عليه اسم رئيس أركانهم " حاييم بارليف " ويسمونه خط بارليف ، وبعدها أذهب الى الميدان لأطمئن على سير العمليات ، ثم سكت الفريق رياض ، والكلام لا زال ل " ناصر" ... قائلا له : يافندم ثمة مهمة اخرى بالغة الأهمية ، لقد أرسلت بالتنسيق مع سيادة الفريق فوزي كتيبة استطلاع منذ نحو اسبوعين ، اريد ان أسمع منهم مباشرة وأطمئن على أفرادها فردا فردا ، فأنا أعرفهم جميعا فقد عايشتهم نحو ثلاثة أشهر في تدريبات خاصة ، وفي مناطق مختلفة من البلاد ، وأظن ياسيادة الرئيس قد عرفًت سيادتكم ببعضهم خلال المناورات الكبيرة التي حدثت منذ نحو شهر ,,, سكت الرئيس ، وقال كلمته الأخيرة للوزراء الذين ران بينهم وعليهم الصمت الرهيب ، وبدت القاعة لا يسمع فيها صوت غير صوت عبدا الناصر ... الذي تحدث بعد لحظات من السكون العميق ، لقد أحسست عنده ، أي رياض ، برغبة عارمة من أب يريد أن يطمئن على أولاده بعد سنوات من الغياب !!! بعدها اذنت له وكان ما كان ، انه القدر والأعمار بيد الله ، ثم طرح الرئيس في نهاية حديثه سؤالا على الحضور ، من المفروض أن يصدر بيان الآن يتحدث عما وقع وننعي فيه الوطن عن غياب الفريق رياض ، ماذا نقول عن ملابسات الوفاة ؟؟؟ البعضمن الحضور وكلهم من الوزراء وكبار المسئولين طرح عددا من الأفكار ، والأخر توقف عن الحديث ملتزما الصمت وملازما اياه ، غير أن الفريق فوزي بادر باقتراح ، وكان على الوجه التالي : أن يذكر البيان أن سبب الوفاة هي حادث سير ويقول ما نصه " خلال قيام الفريق عبد المنعم رياض بزيارة الجبهة لتفقد الأوضاع القتالية للقوات المسلحة المصرية تعرض لحادث مؤسف أودى بحياته ، ولم يصب من مرافقيه احد .... ويستكمل البيان كلماته بما هو معتاد في تلك الحالات ، من : التعبير عن الأسف وبالغ مشاعر الحزن لفقدان رئيس الأركان ... الى أخره ... غير أن الرئيس عبد الناصر الذي كان يتابع مشاعر الحضور في ذلك المقترح أراد أن يستطلع رأيهم في تلك الصيغة التى قدمها الفريق فوزي ...



بعد نحوخمسة عشر عاما من هذا الحدث الجلل ، وتحديدا في عام 1984 كنت جالسا أمام الفريق " محمد فوزي " هذا الرجل الوديع جدا البسيط جدا الفلاح جدا العظيم جدا ، أقول له : سيادة الفريق ، اسمح لي أن أقترب من هذه اللحظة ، ماهو القرار الذي اتخذ بالتعامل مع خبر الاستشهاد ؟ أعرف أن حضرتك أقترحت وصف ما حدث بأنه حادث سير!! ماذا عن النهاية ؟؟؟ ... أطلق الفريق فوزي نفسا عميقا ، وفاجأني بالقول : أن اغلبية الوزراء كانوا مع وصف حالة الوفاة بمثل ما أردت غير ، أن الرئيس قال بما هو مقنع ، فقد فسرت اقتراحي بعدم ترك فرصة للاسرائيليين للشماتة في موت رئيس أركان الجيش المصري ، حينها تحدث الرئيس مغيرا اتجاه الحوار كاملا : قال الرئيس : بل هو استشهاد ، ولتذهب شماتة اسرائيل الى الجحيم ، فااستشهاد رياض ، بات رمزا للعالم ولجنوده قبل العالم ، أن يكون حادث سير هو كل ماحدث فلن يضيف للجيش والمقاتلين شيئا بل أسف عميق وحزن عابر فقط !! سرعان مايزول أثره ، ما أريد أن أقوله وينبغي أن يكون واضحا للعالم ، أن في مصر قادة كبار يقولون لمقاتليهم " أتبعوني " لا " اسبقوني " قادة يموتون وسط جنودهم وفي وسط الميدان ، قادة يصبحون اليوم وغدا رمزا للفداء والتضحية .... ثم سكت الرئيس ، لحظة ، وليكن يوم التاسع من مارس من كل عام هو يوم الشهيد في صفوف القوات المسلحة المصرية ... حينها سكت الفريق فوزي عن الكلام لبضع ثوان ... ثم ختم بالقول : كان عظيما ... فبادرته بالسؤال من هو الموصوف بالعظمة تقصد حضرتك ؟؟؟ ، رد على الفور والابتسامة الحزينة لا تغادر وجهه : الأثنين الأثنين ، " الريس ورياض " فكلاهما ماتا وهم شهداء ، رياض استشهد في ساحة الحرب وعبد الناصر ، استشهد في ساحة المبدأ ، ساحة اتسعت باتساع أمة العرب وامتدت حتى ملئت دنيا الفقراء والأحرار في أفريقيا وآسيا ,,

صلاح زكي أحمد ... 20-1- 2013 الدوحة / قطر 

هناك تعليق واحد:

  1. لماذا لم يتولي الفريق عبد المنعم رياض قيادة الجيش المصري بدلاً من عبد الحكيم عامر؟ هل بخل عبد الناصر علي الجيش وعلي نفسة بقائد يعرف كيف يدافع عن جيشة وارضة وجنودة وعن مصر. شئ عجيب غريب ان يقود الجيش في 67 اسواء وافشل قائد علي مر التاريخ! وطبيعي ان ننهزم ونأخذ صفر وكل اصفار العالم. ونكسب المهانة والفقر والذل الي يومنا هذا.بعد الهزيمة تذكر ناصر الفريق عبد المنعم رياض!!!!!!!!!

    ردحذف