الأحد، 7 أبريل 2013

الجزء الثاني: حديث الروح وخلجات النفس




 بعد أن خرج الصحابي الكبير من بيت صاحبه، الصحابي الجليل، أخذ يفكر فيما سمعه من هذا المؤمن البسيط، وكم هو في منزلة بشر بها النبي الكريم، يغبطه عليها كبار الصحابة وأعاظم الرجال في مدرسة النبوة، مدرسة "محمد بن عبد الله" عليه أفضل الصلوات والسلام، لقد عرف منه سر المغفرة وأسباب سكنه الجنة بإذن الله، أن تنام كل يوم والقلب فارغ من الكراهية ، ناضب من الحقد ، خال من المكيدة ، وفي مقابل ذلك عامر بالإيمان مسلح بالتقوى ، مشرق بصحيح السلوك.

ساعتها تذكر هذا الصحابي الكبير وهو يمشي في طرقات مدينة رسول الله ، تلك الاجابة الشافية من الحبيب المصطفى عندما سأله واحد من الجيل الثاني من صاحبته ، "قل لي يا رسول الله في الاسلام قول لا قول بعده". حينها سكت الرسول الكريم بضع ثوان وسرح بروحه النقية الى بعيد ، ونطق بكلمات رأى فيها هذا الصحابي الكبير الحقيقة كاملة ، أليس محمد بن عبد الله هو الذي اختصه الله بجوامع الكلم.

كان الصحابة، الكبير منهم والبسيط والمتواضع والنبيل، يتحلق حول نبي الرحمة المهداة ، الذي قال ردا على السؤال البسيط العميق ( قل آمنت ثم استقم ) .... يا لله ... أربع كلمات لا زيادة فيها أو نقصان. فالإسلام عند سيد الخلق يقوم على قاعدتين راسختين ، أولهما : إشهار الايمان برسالة الاسلام ، توحيدا وتسليما ، وهذا ما يتعلق بالعقيدة ولا واسطة فيها بين العبد وربه. أما الجانب الثاني فهو ما يتعلق بالناس وحسن معاملتهم ، ودون ذلك لا يكتمل الايمان ولا يستقر في القلب. ذلك هو الاسلام ، فهو رسالة واصلة بين السماء والأرض ، سقفها العقائدي هو الايمان ، وقاعدتها الدنيوية هي المعاملة الانسانية الحسنة مع سائر البشر، بصرف النظر عن الدين أو اللون أو المعتقد او المذهب. ألم يبعث "محمد" للعالمين. لقد بعث للناس كافة ولم يبعث لأمته فقط رغم أنه المفاخر بها يوم الدين ، بل هو الهادي والنذير والبشير وصاحب الشفاعة العظمى يوم يبعثون.

أفكار كثيرة ألمت بصاحبنا الكبير بعد أن ترك بيت صاحبنا الجليل، صاحب بشرى رسول الله، بوصفه "يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ". وعند دخوله الى منزله الواقع بالقرب من مسجد رسول الله ، لم يكن الوقت وقت صلاة بل أقرب الى ساعات الضحى ، كان على وضوئه منذ خرج من بيت صاحبه ، لكنه آثر أن يجدد الوضوء كما لو أن عهدا جديدا قطعه مع ربه يقتضي منه أن يناجي به الله وهو في أجمل حال وأتم استعداد وأطيب نفس. أليس الوضوء على الوضوء هو نور على نور.

أقام الصلاة لنفسه ودخل في حالة من الخشوع لم يحسها من قبل الا في تلك الحالات التي يكون فيها قريبا من رسول الله عند الصلاة في مسجده ، حيث يكون واقفا وراء النبي مباشرة ، أو بالقرب منه حين يجلس ضمن صحابته يتحلقون حوله، يستمعون للقول فيتبعونه كله ، فليس في قول المصطفى الا كل ما هو حسن.

وبعد أن فرغ من الصلاة التي ذكر فيها بعد الفاتحة سورة الاخلاص في الركعة الاولى ، وسورة العصر في الركعة الثانية ، عاد ليتدبر فيما قاله بين يدي الله ، فسورة الاخلاص هي التوحيد الخالص ....( قل هو الله أحد ، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ) صدق الله العظيم. أما سورة العصر فهي الجامعة بين الايمان وجميل الأعمال ، وبهما يبعد الله عباده المخلصين عن أي صورة من صور الخسران والخذلان (والعصر، ان الانسان لفي خسر ، الا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) صدق الله العظيم. حينها أحس بالراحة التي لم يعشها منذ زمن ، فقد أدرك بعد أن فرغ من صلاته ومناجاة ربه ، أن كلا السورتين ، الاخلاص والعصر، نزلا عليه ورتلهما بصوت جميل دون تدبير او ترتيب مسبق منه ، هي الفتح الرباني بعينه ولا جدال ، وعندما أدرك ذلك المعنى ووصل الى هذا التفسير ، ابتسم راضيا ومتفائلا بأن الله أعطاه البشرى ، وجعل قلبه فارغا كصاحبه من الحقد والكراهية والضغينة ، نظيفا بالإيمان مترعا بالمحبة ، خالصا لوجه الله وحده ، لا ينازعه في هذا الاخلاص شيء من مباهج الدنيا وابتلاءاتها من وافر المال الفاسد أو السلطان المستبد الزائل ، يكفيه عزة الاسلام ، ويقنعه العزة التي ابتغاها من الله ، عزة لا يريد الا سواها .

نزلت النعمة على هذا الصحابي الكبير ، وأصبح رفيقا في الدرب نفسه الذي سبقه اليه ذلك الصحابي البسيط الجليل ، وبتنا نحن في عصرنا أصحاب الابتلاءات الكبرى من الثروة والسلطة والمال والجاه والأولاد ومباهج الدنيا الفارغ منها والمكتنز. فماذا نحن فاعلون؟ هل نحن قادرون على دخول هذا العالم بكل اختباراته والخوض فيها والخروج منها بسلام؟ كان المسيح عليه السلام دائما ما يردد في حياته على الرغم من قصرها كلمات قليلة ذات بلاغة معجزة ، كثيرا ما كان يقول " اللهم لاتدخلني تجربة ".. البعض يفسرها بأنها مناجاة الى الله بأن يجنبه أكثر من طاقته كي لا يتعثر، فيصبح من النادمين والحزانى التائبين. أو تدفعه الحوادث والخطوب أن يختبر أحد حوارييه من تلاميذه، فيفشل بما كلفه به، فينال عتاب المسيح وغضب الرب، ويكون على هذه الحال من الخاسرين.

تفسيرات كثيرة ، لكن المؤكد أننا على الدرب جميعا سائرون ، غير أن بعضنا بنعمة من الله وفضل ،على الدرب بإذن الله من القادرين السالكين الآمنين المطمئنين المتفائلين ، ومع أهل الجنة وفي ظل عرش الرحمن مسبحين خاشعين متطلعين الى وجهه الكريم حامدين شاكرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق