الاثنين، 5 أكتوبر 2015

تحية من جيل الستينيات الى جيل مابعد حرب أكتوبر : 
***********************************************
إهداء  الى الصديق " أحمد زكي " وجيله :  
****************************************
الجزء الثاني :
************** 
( .... في صيف عام ١٩٧٥ ، وفي أحدى قاعات الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع ، بقلب القاهرة ، أسعدني القدر أن أجلس مع الدكتور " محمد حلمي مراد " وزير التربية والتعليم في أول حكومة شكلها الرئيس " جمال  : 
***********
عبد الناصر " في أعقاب استفتاء الشعب على بيان " ٣٠ مارس " الصادر في عام ١٩٦٨ وكان أغلبها من أساتذة الجامعة ، وتولى حينها الدكتور " حلمي "  وعدد محدود من الوزراء اللجنة المشرفة على تنفيذ البرنامج الذي وعد به " عبد الناصر " الشعب ليرسخ دولة القانون ويقيم دولة المؤسسات ....
كان الدكتور " حلمي مراد " آنذاك ، أي عام ١٩٧٥ ، أحد أهم قيادات المعارضة السياسية للرئيس " أنور السادات " الذي خرج من حرب أكتوبر باحثا عن شرعية جديدة ، بعيدا عن شرعية ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ، وهو الأمر الذي وجدت القوي الوطنية في هذا المسلك سببا لرفع  لواء المعارضة الوطنية في وجه سياساته ، سياسة الانفتاح الاقتصادي ووضع نتائج الحرب في أيدي الولايات المتحدة الامريكية ، وفي إطار ما أسماه الرئيس " السادات " أن ٩٩ ٪ من أوراق اللعبة أو الحل السياسي في أيدي واشنطن وحدها ، ولا احد سواها !!!!! ...
كان لقاء الدكتور بالنسبة لي فرحة لها وقع خاص عندي لسببين ، أولهما : أنه كان اللقاء الثاني لي بالرجل ، حيث كان اللقاء الاول عندما كان رئيساً لجامعة عين شمس ، في عام ١٩٦٧ ،  وكنت أنا وقتها أخطو الخطوات الاولى الى هذه الجامعة العريقة ، كان الدكتور " حلمي " أحد أعلام مصر والعرب الكبار ، في عالم القانون والفقه السياسي والدستوري ، ذهبت اليه لشأن خاص بمشكلة طالب مبتدأ يرغب في دخول كلية تهتم بقضايا التاريخ والفلسفة والاجتماع ، بدلا من الكلية العلمية الى ذهب اليها بحكم توزيع مكتب التنسيق ....
 فوجدت في الدكتور ، وهو من هو " حنانا أبويا صادقا ورقيقا "، ناصحا أياي بالإبقاء على الدراسة العلمية ، شارحا أسبابه في ذلك ، مما جعلني مقتنعا بما قاله ، مخلصا لنصيحته ... 
 *************
مرت السنوات ، وتوثقت العلاقة بين الطالب وأستاذه ، أستاذ الأساتذة وعميدهم في الوطنية والنقاء وطهارة اليد والمسلك ، رحمه الله ، حتى جاء اللقاء الثاني ، حيث أهداني على سبيل الاستعارة كتابا هاما كنت آسمع عنه ، وعن أهميته ولم أراه ، كان كتاب " الطريق الى رمضان " للأستاذ " محمد حسنين هيكل " تسلمته منه شاكرا مع وعد بالوفاء بموعد تسليم تلك الهدية ، الخاطفة والعابرة  ، لصاحبها الدكتور " حلمي مراد " ...
*********** 
كتاب الاستاذ " هيكل " اعتبره واحدا من أهم الكتب الرائدة التي تناولت حرب اكتوبر ، وان لم يكن أهمها ، حتي بالنسبة للأستاذ " هيكل " نفسه ، فقد أصدر فيما بعد وعند السنوات الاولى من عقد التسعينيات كتابه الشامل " حرب اكتوبر ٧٣ : السياسة والسلاح " ، فقد أصدر الاستاذ بين هذا الكتاب الرائد " الطريق الى رمضان " وكتابه الشامل " حرب اكتوبر " مجموعة من الأعمال الاساسية ، منها " ملفات السويس " عن حرب ١٩٥٦ ، ثم كتاب " سنوات الغليان " التي عالج خلاله قضايا الصعود الناصري والمد القومي ، ثم كتابه  بالغ الأهمية ، والذي يحمل عنوان " الانفجار " والذي عرض خلاله لوقائع حرب يونية ١٩٦٧ ووقائعها المحزنة والمؤلمة ، وحسبي ، أنه واحد من أهم ماكتب الاستاذ " هيكل " على طول تاريخه المهني والبحثي والتأريخي ، ثم يأتي كتابه ، أو المجلد الرابع عن " حرب اكتوبر " من سلسلته البحثية الهامة " حرب الثلاثين عاما " ...
*********
غير آن الاستاذ " هيكل " له مجموعة هامة من الكتب ، سبقت كتابه الرائد " الطريق الى رمضان " الصادر عن دار  النهار في بيروت ، والذي منع الرئيس " السادات "دخوله الى مصر بدعوى أنه جاء على وقائع غير حقيقية ومختلقة ، ليس هنا مكاناً لعرضها ، لطول الحديث فيها أو الخوض في تفصيلاتها ، ومن أهم هذه الكتب ، كتاب " في مفترق طرق " والذي ضم بين دفتيه سلسلة مقالات الاستاذ " هيكل " بصراحة والتي تناولت وقائع حرب اكتوبر وتطوراتها من موقعة كرئيس تحرير الآهرام وحتى قرار الرئيس " السادات " في ٢ فبراير من عام ١٩٧٤ بإقالته من موقعة في جريدته العريقة ، وأثر تفاقم الخلاف السياسي بين الرجلين ، وبعد مقال الاستاذ " هيكل " الشهير والذي كان يحمل عنوانا لافتا هو " الظلال والبريق " والذي حدد فيه أسباب تحفظه على توجه " السادات "الى واشنطن ، في الوقت الذي رأى " هيكل " وبعد حوار شامل مع " هنري كيسنجر " وزير الخارجية ومستشار الرئيس " ريتشارد نيكسون " أن الأضواء تنسحب عن إدارة هذا الرئيس ، وأن الظلال تتصدر المشهد في واشنطن ، فالرئيس " نيكسون " الذي حنث بالقسم في بلاده ، بات في شبه المؤكد ، حينها ، خروجه مطرودا  ومهانا من البيت الأبيض ... 
**************************
في أعقاب الحرب صدرت مجموعة من الدراسات الرائدة ، كان أبرزها مجلد كبير أشرف عليه الباحث العربي الكبير الدكتور " أنيس صايغ " رئيس مركز الأبحاث الفلسطينية التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وكان هذا العمل البحثي يتسم بأعلى قدر من الموضوعية والمنهجية ، وقد شارك فيه عدد كبير من الخبراء العرب في الشؤون السياسية والعسكرية والاستراتيجية والاقتصادية ، فكان عملا شاملا بحق ... 
ولم تنقضي بضعة أسابيع حتى أصدرت هيئة البحوث العسكرية المصرية كتابها الرسمي بعنوان " حرب اكتوبر " وبأقلام ثلاثة من أبرز  وأهم القادة والخبراء والمؤرخين العسكريين في تاريخ الجيش المصري آنذاك ، وهم اللواء " طه المجدوب " و اللواء" حسن البدري " و اللواء " ضياء الدين زهدي " رحمهم الله جميعا ، فقد كانوا فخر العقل العسكري العربي على صعيد البحث والتأريخ ، فقد سبق ان قدمت تلك المجموعة الذهبية ومعها اللواء " حسن مطاوع " واحدة من أهم الدراسات البحثية التي صدرت عن مؤسسة الاهرام عام ١٩٧١ وتحت الإشراف المباشر والمساندة الكاملة من الأستاذ " هيكل " وكان عنوانها " العسكرية الصهيونية " وموزعة على ثلاثة مجلدات ......
وفي الفترة ذاتها ، نظمت هيئة البحوث العسكرية المصرية وأكاديمية ناصر العسكرية ندوة دولية دعت فيها عدد كبير من أهم خبراء العالم في شؤون الحرب والقتال والتفكير الاستراتيجي لبحث حرب اكتوبر ، وأصدرت في نهاية أعمالها ثلاثة مجلدات شاملة ، تناول المجلد الاول منها " القضايا السياسة للحرب " والثاني ، عالج " الموضوعات العسكرية والاستراتيجية " أما المجلد الثالث ، فقد شمل " التأثيرات الاقتصادية ومعركة البترول وتأثيراتها على السوق الاقتصادي العالمي " 
****************
وبعد عدد من السنوات ، وفي أعقاب الحرب ، وترجل الكثير منهم وتركهم السلاح ، بدأ المحارب استراحته ، فما كان عليه إلا أن يمتشق  القلم عوضا عن سلاح بات من الذكريات !!!! 
هنا كان للفريق " سعد الدين الشاذلي " رئيس أركان حرب السادس من أكتوبر فضل الريادة في نشر مذكرات هؤلاء القادة  العظام وحربهم الباسلة ، فصدرت مذكراته في طبعة أولى في باريس عن دار الوطن العربي ، والتي حوكم بسبها في عصر الرئيس " حسني مبارك " وقضى عقوبة السجن بدعوى نشره أسرارا سياسية وعسكرية ، وهو ما برأته القوات المسلحة من هذه التهمة الظالمة في أعقاب ثورة يناير ٢٠١١ ، ومنحه قلادة النيل ، أعلى درجات التكريم الوطني المصري ، بوصفه القائد الأول لحرب السادس من اكتوبر ...
غير أن ثمة مشروع كتاب للفريق " الشاذلي " أتمنى أن يرى النور ، فقد نشر خلال سنوات المنفى دراسة بالغة الأهمية في جريدة الوطن الكويتية ، بعنوان " الخيار العسكري العربي " موزعة على ٢٤ حلقة ، وبدأ في نشرها في ٧ مارس ١٩٨٥ ... 
وبعد الفريق الشاذلي يأتي المشير " محمد عبد الغني الجمسي " رئيس شعبة عمليات القوات المسلحة خلال الحرب ، ثم رئيس الأركان ووزير الدفاع بعد ذلك ليصدر مذكراته الشاملة عن عمليات السادس من اكتوبر ، في طبعتها الاولى في باريس ومن ذات الدار التي صدر عنها مذكرات الفريق  " الشاذلي " ... دار الوطن العربي .... 
ثم تأتي مذكرات الفريق " كمال حسن على " قائد المدرعات خلال الحرب ، ووزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس الوزراء فيما بعد ، في كتابين الأول  ، هو " محاربون ومفاوضون " صادر عن مركز الآهرام للترجمة والنشر " والثاني هو " مشاوير العمر" وهو سيرة ذاتية للرجل ، وقد أصدرته دار الشروق في القاهرة ... 
ثم تأتي مذكرات الفريق " عبد المنعم واصل " قائد الجيش الثالث الميداني خلال حرب اكتوبر ، ومذكرات اللواء " عبد المنعم خليل " قائد الجيش الثاني الميداني ، فيما شارك المشير " محمد عبد الحليم ابو غزالة " بكتيب هام يركز فقط على دور سلاح المدفعية التي كان يقودها خلال العمليات العسكرية وأبلت بلاءا حسنا طوال الحرب ، وآعطى لها عنوانا صحفيا هو " وانطلقت المدافع عند الظهر " ... واعتقد أنه عنوان مأخوذ من كتاب الاستاذ " أحمد بهاء الدين " وتحطمت الأسطورة عند الظهر" والذي جاء ردا سياسيا وعسكريا ساحقا من الاستاذ " بهاء " للكتاب المشبوه الذي أصدرته المخابرات الإسرائيلية " الموساد " في أعقاب حرب يونية وكان عنوانه " وتحطمت الطائرات عند الفجر " ...
************
بعد ذلك تأتي سلسلة قادة الحرب المتقاعدين ، والذين تركوا السلاح لسبب أو آخر ، ولعل أهمها مذكرات الفريق أول " محمد فوزي " وزير الدفاع غداة نكسة يونية ، وأبو العسكرية المصرية الحديثة ، فقد أصدر ثلاثة كتب عسكرية متخصصة ومدققة ، ومن واقع إلمامه بتفاصيل الحرب ، كان أولها مذكراته بعنوان " حرب الثلاث سنوات : ١٩٦٧ / ١٩٧٠ " وهو كتاب مكرس للتأريخ لحرب الاستنزاف على الجبهة المصرية ، ثم كتابه الثاني " حرب اكتوبر " أما الثالث فكان بعنوان " استراتيجية المصالحة " ويتناول حجم التناقض بين النتائج العسكرية الكبيرة للحرب والنتائج السياسية المحدودة لها ، على نحو ما جاءت بها اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة  السلام الموقعة في مارس عام ١٩٧٩ ... 
 ويأتي كتاب اللواء متقاعد " جمال حماد " وهو أقرب الى مجلد تصل صفحاته نحو ألف صفحة بعنوان " المعارك الحربية على الجبهة المصرية " ويتناول  فيه أدق التفاصيل ووقائع الحرب بمراحلها المختلفة ، موثقة بعدد كبير من الخرائط الميدانية والوثائق العسكرية ،  ومن بينها حديثه عن وقائع  تطوير الهجوم شرقا وأسباب الخلاف بين الرئيس " السادات " والفريق " سعد الشاذلي " في كيفية التعامل مع الثغرة ...
*************
يبقى في الذاكرة ستة كتب أقرب الى التناول السياسي والاستراتيجي لقضايا الحرب ، أولها كتاب الرئيس " السادات " وعنوانه " البحث عن الذات " وهو سيرة ذاتية للرجل الذي قاد الحرب ، وتناولت حياته السياسية والإنسانية ، ثم كتاب " جمال حمدان " ٦ اكتوبر في الاستراتيجية العالمية " وهو دراسة سياسية واستراتيجية بقلم واحد من أهم من أنجبتهم مصر وأمة العرب على صعيد الدراسات الاستراتيجية ، وقبل ذلك تأتي مذكرات " محمود رياض " وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لجامعة الدول العربية والتي صدرت أجزاءها الثلاثة موزعة بين بيروت والقاهرة وأخذت عنوانا هو " البحث عن السلام والصراع في الشرق الأوسط " وأفرد جزءً كاملا من مذكراته لمعالجة قضايا الأمن القومي العربي ، ويأتي كتاب " محمد حافظ اسماعيل " الذي أرخ لحياة مصر والعرب طوال اكثر من خمسة عقود ، وعنوانه " أمن مصر القومي في عصر التحديات " ويكتسب كتابه الأهمية القصوى من واقعة دوره كمستشار سياسي واستراتيجي للرئيس " السادات " قبل وأثناء وفي أعقاب الحرب ، وبعد ذلك تأتي مذكرات " اسماعيل فهمي " والذي تولى وزارة الخارجية المصرية ، خلال الحرب خلفا للدكتور " محمد حسن الزيات " والتي صدرت  في القاهرة تحت عنوان " التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط " وقدم استقالته  للرئيس " السادات " احتجاجا على زيارته لإسرائيل في نوفمبر ١٩٧٧ ......
 ويكون " محمد سيد أحمد " صديقي وأخي ،  الكاتب والمفكر السياسي اليساري البارز ، رحمه الله ، هو حسن الختام في تلك السلسة من هذه الرحلة في بحر الفكر والسياسة والاستراتيجية ، رحلة البحث عن " اكتوبر " اذ نختتم بكتابه الرائد " بعد أن تسكت المدافع " ليكون فاتحة خير في علوم السياسة والاستراتيجية والعلاقات الدولية والصراعات الاقيليمية ....) 
*******
صلاح زكي أحمد 
القاهرة يوم الثلاثاء الموافق : ٦ اكتوبر ٢٠٥